الأمي أمرا سماوي عرفه الله بالوحي الصادق والكلام الناطق بقوله : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ) لتخبر العاشقين والمحبين والمؤمنين لتسلي بها ألم فؤادهم وتعرفهم بها الصبر في بلائه ، والشكر في آلائه ، والشوق إلى لقائه.
(وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧))
قوله سبحانه وتعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ) أخبر سبحانه أنه جماله وقدرته ألبس أنوار قدرته وهيبته على آيات السموات والأرض ، وجعل كل ذرة من العرش إلى الثرى مرآة يتجلى منها لذوي البصائر من العارفين ، وذوي العقول من الموحدين ، ولا يريها إلا لمن كان له بصير منور بنور الإيقان والعرفان ، وأعلمنا أن أهل الجهل والغباوة محتجبون عنها حيث يرون ظاهرها ولا يرون حقائقها ، وأيضا آيات السموات شواهد الملكوت وآيات الأرض سلاسل بيداء الجبروت من العارفين والمحبين.
قال ابن عطاء : نظروا إليها بأعينهم ولم يلاحظوها بأبصارهم ، فلا يكشف الأبصار لهم.
وقال : بعضهم لعلمهم من مواضع المكرمات والايات من الله ، وإلا تكاد على من ظهر ذلك عليهم ، ثم شدد الأمر سبحانه ودقق على المجهور في أمر التوحيد وإفراد القدم على الحدوث بقوله : (وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) وصف الكل في التوحيد بالإشارة إلى غيره في مقاماتهم ، وذلك وصف من نظر إلى الوسائط والشواهد في معرفته وما بدأ من لطيف صنائعه بأهل معرفته حتى بلغ الشرك إلى نهاية أن من أحب الله تعالى لذوق قلبه من مشاهدته ؛ فإنه مشرك في حقيقة التوحيد ؛ لأن من أحب حقيقة التوحيد حبه لربوبيته ولوجوده لا بجوده ، ومن نظر في رؤية الحق إلى نفسه أو إلى غيره من العرش إلى الثرى لم يكن موحدا محققا ، وهذا مذهب الجمهور من العارفين.
قال الواسطي : إلا وهم مشركون في ملاحظة الخواطر والحركات.
وقال بعضهم : إلا وهم مشركون في رؤية التقصير عن نفسه والملازمة عليها.
قال الواسطي : رؤية التقصير من النفس شرك ؛ لأن من لاحظ نفسا من نفسه ، فقد جحد الأزلية للحق ، ومن لام نفسه في شيء من أموره فقد أشرك.