لقيت الأنبياء بهاتين الخصلتين لأفلستهم أجمعين ، وإني بالبصيرة والعالم كلهم مرتبطون تحت الجناح بها يقومون إليها يؤمرون ، والأصل بصورة قاطعة ، ونخيرة فائقة لضعف البصائر أطلق من أطلق الثناء من الملأ الأعلى كمن أبصر البحر أخرسه ذكره ، فكيف إذا تجاذبته الأمواج وأخذته اللجج ، وحقيقة بصيرة الناس هو مشاهدة رؤية الشيء ، وهو قوله : (أَدْعُوا إِلَى اللهِ عَلى بَصِيرَةٍ) إذ بالله صحت البصائر ، والبصيرة أعلى من النور ؛ لأنه لا يصح البصيرة لأحد وهو تحقق رق ملك ومادام للشواهد والأعراض عليه أثر كانت بصيرته واهية.
قال بعضهم : الدعاء من البصيرة ، والنفاق من ضعف النخيرة.
وقال : البصيرة من لباس الأرواح ليس لها من الأجسام حظ.
وقال الواسطي : على بصيرة أيقن أنه ليس إليه من الهداية شيء ، وقوله : (أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي) على ذلك ، وعلمهم بالتفويض ، والتسليم إمرتهم ، (وَسُبْحانَ اللهِ) أنزه الحق عن أن يروم أحد السبيل إليه إلا به (وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) ، ادعى لنفسي مع الحق شامل الكل لمن له الكل.
وقال ابن عطاء : البصيرة أحرقت المعلوم والموعظة المحجوبة بظلم الأطماع ، أما علمت أنه لا يصح بصيرة لأحد وهو تحت رق الملك وأدام الشواهد والأعراض عليه أثر كانت بصيرته واهية ، والبصيرة إذا صحت سلم صاحبها من كل آفة.
وقال ابن عطاء : الفرق بين البصيرة والسكينة أن البصيرة مكشوفة ، والسكينة مستورة.
ويقال : البصيرة أن يطلع شموس العرفان ؛ فيندرج فيها أنوار العقول.
ولي ها هنا دقيقة فيها مشابهة كلام الكبراء في هذه الاية أدق مما ذكرت من الأول ، أي : قل يا محمد هذه التي رأيتم مني من سنن الإلهية التي اختار لي في الأزل هي الشريعة ، ووراء الشريعة الطريقة ، ووراء الطريقة الحقيقة ، ووراء الحقيقة حقيقة الحقيقة ، وهي البصيرة وتلك البصيرة إشراق جمال القدم لبصر الروح المطمئنة الساكنة بالله ، الطائرة في الله ، الهائمة لله التي طارت من قفص العدم في أنوار القدرة ، ولا يسكن من طيرانها في أنوار الكبرياء والبقاء إلى الأبد ، فموضع البصيرة إدراك نظر تلك الروح ، وموضع الإدراك بصر الروح ، فتلك البصيرة نور كشف صفات الحق المتصل على السرمدية بذلك الأمور ، ويزيد ذلك النور حتى يضمحل فيه ذلك الإدراك ، ويغلب سطواته حتى ينطمس تلك العين في ذلك النور ، فلا يبقى هناك إلا نور الحق ، وكيف يبقى الحدث في القدرة وعز السرمدية بسطواتها ، يذهب آثار الحدثين في أوائل ظهور العرفان ، أي في هذه حالتي وسبيلي مع الله ، وأنا لا أدعوكم إلى هذه فإنها قاصرة