النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (١) اللهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ (٢) وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَأَنْهاراً وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٣) وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوانٌ وَغَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (٤) وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ (٥))
(المر) إن الله سبحانه تجلي من فعله الخاص لفعله العام ؛ فأجاد من بين الفعلين حروفا جعلها صادق أسرار الصفات والذات ، وأخبار الغيب ، وغيب الغيب ؛ فوضع في الألف سر الألوهية لنفسه ، وسر الأنانية لصفوة توحيده ، ووضع في اللام سر أزليته لنفسه ، وسر لطفه وفي ظهوره بوصف الأزل لأهل التباسه من أهل عشقه وشوقه ، ووضع في الميم سر محبته في هواء أزليته لطلب ألوهيته ، ووضع في الراء أنور ربوبيته ، وجعلها مرآة لعبوديته عبادة ؛ فيرون منها لطائف صفاته وروح ملكوت قدسه ؛ فلمّا انحسرت الأرواح من طلب الألوهية وجعلت إلى معادن أنوار الربوبية ، وسكنت جمادات من مرآة حرف الراء من رحمته الكافية ورأفة الشافية من كل شيء دون الله ؛ فالألف صندوق الألوهية لا ينفتح إلا لأهل الأنائية في التوحيد ، واللام صندوق نور الأزلية والجمال ولا ينفتح إلا لأهل الوله في شوقه ، والميم صندوق محبته الأزلية ولا ينفتح إلا لأهل محبته ؛ فالراء صندوق نور ربوبيته ولا ينفتح إلا لسلاك عبوديته الذين مرادهم منه نفسه لا غير.
قال الشبلي : ما من حرف من الحروف إلا وهو يسبح الله بلسان ويذكره بلغة بكل لسان منها حروف ، ولكل حرف لسان وهو سر الله في خلقه الذي يقع زوائد المفهوم وزيادة الأذكار.
وقال الحارث المحاسبي : إن الله لما خلق الأحرف دعاها إلى الطاعة ؛ فأجابت على حسب ما حلاها الخطاب وألبسها ، وكانت الحروف كلها على صورة الألف إلا أن ألف بقيت على صورته وحليتها التي بها ابتدأت ، ثم من سنّة الله سبحانه أن وضع ما تكلم به من الأسرار في لباس الحروف على رأس كل صورة ، وأشار مما عقيبها من القول إليها وإلى أسرار