والسابع : داعي الحق بنفسه بلا واسطة هو ثلث مراتب ، المرتبة الأولى : مناداته بلسان الأفعال الخاصة ودعاؤه به إلى مشاهدة الصفات في الفعل وهو مقام مشاهدة الالتباس ؛ فمن أجابه يقع في بحر العشق الذي يعرفه بأمواج اللطف حيث يدعوه بلطائف الالتباس ولا يبقيه فيه بل يخرجه إلى معادن الصرف ويريه بعض أحكام الصفة لأعلى حد الكمال.
المرتبة الثانية : داعي الصفات وذلك يدعوه إلى النظر إلى طلوع أقمار الصفات من مشارق الذات ليذقه من كل صفة ذوقا ، ويستعين من عين كل صفة شرابا ليكون كاملا في حمل موارد أنوار الذات ؛ فمن أجابه يقع في نور السماء والنعوت فيطير بجنحي.
وذلك كلام الصوف المقرون خطابه بكشف الحقيقة من عين الذات يدعوه إلى الفناء في كنه القدم وأزلية الذات وأبديته ؛ فمن أجاب سره وسر سره إلى ذلك يقع في بحر طوالع شموس ، القدم وقدم القدم وأعمار الأبد وأبد الأبد ، وينكشف له العين وعين العين ، وعجب العجب وغيب غيب الذات ؛ فيصير متصفا بالذات والصفات بعد فنائه في الذات ، والصفات بنطقه بعد ذلك نطق الأزل وسمعه سمع الأزل وعينه عين الأزل ويده يد القدرة بقوله : بعد خروج هذا العبد من رسوم العبودية إلى جلال الربوبية كنت له سمعا وبصرا ولسانا ويدا ؛ فيؤيده عودة وجلال وجوده إلى معرفة نفسه بنفسه ، ثم يعرف نفس العبد للعبد ، فيعرف الحق بالحق ويعرف نفسه بالحق بعد نسيان نفسه في الحق هذا معنى قوله : من عرف نفسه فقد عرف ربه ، ثم وصف نفسه تعالى بإذعان الوجود بنعت التلاشي بين يدي كبريائه.
بقوله : (وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ) يسجد له أهل الملكوت بعد أن شاهدوا عظمته وخوفه وإجلاله ، ويسجد له الادميون والجن بعد أن شاهدوا أنوار ربوبيته ، فمنهم من سجد طوعا لما كوشف له من أنوار جماله تعالى ؛ فيسجد ويخضع محبة وشوقا وعشقا ومعرفة وتوحيدا ، ومنهم من سجد له كرها في مقام المجاهدة وتكليف العبودية والمتابعة كرها لما لم يكشف له دواعي العشق والمحبة والشوق من الحق ومن اللطف معاينة أن العشاق والمحبين يسجدون طوعا لأنهم في محل العبودية من العشق والمحبة ، وأن أهل الكمال من العارفين والموحدين يسجدون له كرها لأنه في مقام شهود الربوبية ، وهم في الحالين هناك في كرههم في السجود إحداهما أن بعضهم عاين عين القدم وجلال الأزل والأبد ، ولا يرون سجود الحدثان يليق بعزة الرحمن بل يرون الحدثين متلاشيين في أول بديهة سطوة جلاله ، وأن الخلق والخليقة من خدمته وهو بعزته أعز من أن يقرب إليه أحدا بسجوده له.
والثاني : أن بعضهم شربوا في بحار الأزلية شربات الإنصاف والاتحاد ، ولكن لم يكونوا