الانتصاب إن غلبهم أحد بالجفاء قابلوه بالوفاء ، وإن أذنب عليهم قوم اعتذروا عنهم ، وإن مرضوا عادوا غيرهم.
كما قيل : إذا مرضنا أتيناكم نفوركم وتذنبون ؛ فتأتيكم ونعتذر.
ثم وصف امتنانه عليهم بقوله : (أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (٢٢) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ) الجنات بالتفاوت الجنة مع العموم بساتين الملكوت ، وجنة الخصوص معاينة ذات الجبروت ؛ فإذا جلسوا على كراسي جنة الملكوت يزورهم أخوانهم من الملائكة ويهنئهم بما فازوا وما ظفروا بقوله : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ) أي : من كل أبواب الأهلية بينهم وبين الملائكة في مقام المعرفة والمحبة ، قال تعالى : (سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ) أي : سلامة دوام الوصال وبركة أنوار جماله الحق عليكم ولكم إلى الأبد بلا انقطاع ولا هم أبدا بما صبرتم في طول الشوق إلى جماله ، ونظركم في بلائه.
وقال بعضهم : سلام عليكم بما صبرتم معناه عما لنا.
ثم وصف الله أضدادهم بخروجهم من مكان عبوديته في اتباعهم هواهم بقوله تعالى : (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ) ميثاقه معهم لم يكن مع شرط التوفيق ولو ساعدهم في العهد نور العناية لا يقدرون على نقض العهد ؛ لأن الموفق بالتوفيق يكون محفوظا بعين رعايته عن كل خطر.
وقال أبو القاسم الحكيم : نقض العهد هو السكون إلى غير سكون إليه ، والفرح بغير مفروح به ، ثم وصفهم بحب الدنيا والفرح بحياتها بقوله : (وَفَرِحُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا وَمَا الْحَياةُ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتاعٌ) لا يكون الفرح بالدنيا إلا لمن كان معزولا عن الفرح بمشاهدة الله ، ومن كان فرحه بالله كيف يفرح بما دون الله ، وإن كان الجنة فإذا لم يفرح بالاخرة فكيف يفرح بالدنيا ، والدنيا عند الاخرة كقطرة دم عند بحر الزلال.
قال الواسطي : الدنيا مدرة ولك منها غبرة ، ومن أسترته غبرة فهو أقل مستحقا ، ومن ملكه جناح بعوضة أو أقل منه فلذلك قدرة.
وقال أيضا : لا تدعو الدنيا تفرقكم في بحارها وغرقوها في بحر التوحيد حتى لا يجدوا منها شيئا.
وقال بعضهم : أخبر الله أن الدنيا في الاخرة متاع ، والاخرة أقل خطر في جنب الحقيقة من خطر الدنيا في الاخرة.