من أنوار الربوبية ، ويستقيم في حال العبودية ؛ فإن الربوبية في العبودية مكر الحقيقة ، ومن نظر من العبودية إلى الربوبية في نفسه فقد أشرك ؛ لأنه مخدوع بالله عن الله.
سئل أبو حفص عن العبودية ، قال : ترك كل مالك ، وملازمة ما أمرت به.
وقال أبو عثمان : العبودية اتباع الأمر على مشاهدة الأمر.
وقال ابن عطاء والجنيد : لا يرقى أحد من درجات التوحيد حق يحكم فيما بينه وبين الله أوائل البدايات ، وأوائل البدايات هي الفروض الواجبة ، والأوامر الزكية ، ومطايا الفضل ، وعزائم الأمر ، فمن أحكم على نفسه هذا منّ الله عليه بما بعده.
قال الله تعالى : (وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ حُكْماً عَرَبِيًّا) أي : بيّنا حكم عربيا يا عربي ، وذلك الحكم ما حكمنا في الأزل بأنك خير البرية ، وأعطيناك استعداد قبول تخلقك بخلقنا واتصافك بصفاتنا ، فإذا اتصفت بصفتنا رأيتنا بنا وخرجت في مشاهدتنا من الالتفات إلى غيرنا من العرش إلى الثرى ؛ فوصفناك في كتابنا بقولنا : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) فتجريد توحيدك حكم عربي بيّناه منك لأمتك ؛ ليتصفوا بصفاتك ويتخلقوا بخلقك ، (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) حيث تخلقت بخلقنا.
قال بعضهم : أحكام العرب السخاء والشجاعة ، وهما من عرى الإيمان.
قال الحسين بن الفضل : في هذه الاية تصحيح حكم القيافة ؛ لأنه لا حكم ينفرد به العرب إلا حكم القيافة.
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللهِ لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ (٣٨) يَمْحُوا اللهُ ما يَشاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ (٣٩) وَإِنْ ما نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ (٤٠))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنا لَهُمْ أَزْواجاً وَذُرِّيَّةً) وصف سبحانه تمكين نبيه صلىاللهعليهوسلم في رسالته ، كما وصف الرسل بالتمكين ؛ حيث لا يغيره صفات البشرية عن أسرار ما وجد من الله من حقائق القربة والمحبة ، بل الأزواج والذرية كانت له صلىاللهعليهوسلم معينة في بحر سكره ، ولولا قسمته أبحر نسبوته متعلقة من تحت سفينة نبوته في بحار محبته ومعرفته ، لطارت تلك السفينة بصرصر رياح الأزل في هواء الأبد ، ولبقى الحدثان بلا عروس الرحمن ، ولم يظفر أحد بحقائق الإيمان.