ألا ترى كيف قال عليهالسلام من رأس سكره : «كلميني يا حميراء» (١) ، وذلك لأن الله أراد بقاءه بين الخلق ليرحمهم ، ويتجاوز عن سيئاتهم ولا يعذبهم ببركته.
قال الله : (وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ) وأعلم الجهال بهذه الاية أنه إذا شرف وليّا وصديقا بولايته ومعرفته ، لم يضر به مباشرة أحكام البشرية من الأهل والولد ، ولم يكن بسط الدنيا له قدحا في ولايته.
قال محمد بن الفضل : جعلنا لهم أزواجا وذرية ، فلم يشغلهم ذلك عن القيام بأداء الرسالة ونصيحة الأمة وإظهار شرائع الدين.
ويقال : أن من اشتغل بالله فكثرة العيال وتراكم الاشتغال لا يؤثر في حاله ولا يضره ذلك من وجه.
ثم بيّن سبحانه أن آيته ومعجزته وكرامته خارج عن تصرف الخلق وتعللهم ، وإن كان نبيّا أو صديقا أو ملكا ، بقوله : (وَما كانَ لِرَسُولٍ أَنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ) حسم أطماع المريدين عن طلب الكرامات بالمجاهدات ، ومنهم من التمسها عن المشايخ ، ثم بيّن سبحانه أنّ أوان ذلك بأجل معلوم في وقت معروف ، بقوله : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) لكل مقام ومرتبة من مراتب العارفين لها زمان عند الله سبحانه ، لا ينالها أحد قبل بلوغه إلى ذلك الوقت إلا بعد أن يكون مصطفى في الأزل بالدرجات والكرامات.
ألا ترى إلى قوله سبحانه : (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَعِلْماً) وأيضا لكل كشف من صفاته وذاته وقت في مراد الله من أوليائه ، وذلك الكشف من العيون الصفات والذات لا يكون للعارف إلا ويكون في قلبه شأن محو صفة من البشرية ، وإثبات صفة من العبودية وزيادة نور في إيمانه وعرفانه بالربوبية ، أيضا لكل مقدر في الأزل في قضية مراد الله من الربوبية والعبودية والنعمة البلية وقت معلوم في علم الله لا يأتي إلا في وقته.
قال جعفر الصادق في قوله : (لِكُلِّ أَجَلٍ كِتابٌ) للرؤية وقت.
وقال ابن عطاء : لكل بيان ولكل لسان عبارة ، ولكل عبارة طريقة ، ولكل طريقة أهل ، فمن لم يميز بين هذه الأحوال فليس له أن يتكلم بالعرف والحقائق ، وعلم هذه الطائفة ومفهوم الإشارة إخبار الحق عن الصفتين الأزليين ، وهما الإرادة والعلم ، أي : إرادة في إنفاذ القضاء علم في ذاته في كيفية وقوع ما أراد وقوعه من أمور الربوبية ؛ فالكتاب علم ذاته يثبت إرادته في علمه ما يشاء ، يمحو ما يشاء من القضاء والقدر ، فبقي الكتاب كما كان في الأزل ،
__________________
(١) ذكره العجلوني في كشف الخفا (١ / ٣٥٧) ، وابن عجيبة في البحر (٢ / ٣٢٢) ، وحقي (١١ / ٩٣).