كلامي وأخباري عن كرمي ورحمتي عليهم عن ظلمات طبيعتهم ، وغواشي غفلتهم إلى سعة فضاء كرمي ونور بسطي وانبساطي ، وأيضا تخرجهم من ظلمات الظنون إلى نور اليقين ، وأيضا من ظلمات العدم إلى أنوار القدم ، ومن ظلمات النفس الأمّارة إلى نور المشاهدة ، ومن ظلمات المجاهدة إلى نور المكاشفة ، ومن ظلمات رؤية غيري إلى نور رؤية قربي.
قال جعفر في قوله : (كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ) (١) : عهد خصصت به فيه بيان سالف الأمم ونجاة أمتك ، أنزلناه إليك لنخرجهم من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ، ومن ظلمات البدعة إلى أنوار السنة ، ومن ظلمات النفوس إلى أنوار القلوب.
قال أبو بكر بن طاهر : من ظلمات الظن إلى أنوار الحقيقة.
قال أبو حفص : الظلمة رؤية الفعل والنور رؤية الفضل.
قال الأستاذ : من ظلمات الجهل إلى نور العلم ، ومن ظلمات التدبير إلى فضاء شهود التقدير ، ومن ظلمات التفرقة إلى أنوار الجمع ، ثم إخراج الهداية من علة الكسب بقوله تعالى : (بِإِذْنِ رَبِّهِمْ) ثم بيّن ذلك النور بأن هذا (إِلى صِراطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) وهو طريق العبودية الذي اصطفاه الحق لعرفان الربوبية على قدرهم لا على قدره ؛ فإنه عزيز ممتنع عن مطالعة الحدث حقائق قدمه ، وهو محمود في أفعاله وذاته وصفاته بألسنة أحبائه بما أنالهم عبوديته وهداهم إلى ربوبيته.
ثم وصف نفسه بالألوهية التي بدأ منه الكل وإليه يرجع الكل ، وما كان وما سيكون ، وما هو حاضر من الملك والملكوت في تصرفه وتدبيره ، يهدي فيه ويهدي به ، وبما فيه من دلائل صنعه وربوبيته عافيه إلى مشاهدة جلاله وعظيم كبريائه بقوله : (اللهِ الَّذِي لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) فيه إشارة إلى أحبائه أي أن الكون وما فيه لي من أراد ذلك ؛ فليسأل مني لا من غيري ، ومن أرادني فلا يلتفت إلى مالي.
قال الواسطي : الكون كله له ، فمن طلب الكون فإنه المكون ، ومن طلب الحق وحده سخر له الكون بما فيه.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ) وصف الله المرائين الذين
__________________
(١) قال الأستاذ : أقسم بهذه الحروف : إنّه لكتاب أنزل إليك لتخرج الناس به من ظلمات الجهل إلى نور العلم ، ومن ظلمات الشّكّ إلى نور اليقين ، ومن ظلمات التدبير إلى فضاء شهود التقدير ، ومن ظلمات الابتداع إلى نور الاتباع ، ومن ظلمات دعاوى النّفس إلى نور معارف القلب ، ومن ظلمات التفرقة إلى نور الجمع بإذن ربهم وبإرادته ومشيئته ، وسابق حكمه وقضائه إلى صراط رحمته ، وهو نهج التوحيد وشواهد التفريد ، تفسير القشيري (٤ / ٢٤).