يؤثرون جاه الدنيا ورياستها على طلب الولاية وشرفها ، ويصدون المريدين عن طريق القاصدين إلى الله ويصرفون وجوههم إليهم (أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ) في ظلمات القهر ولا مخرج لهم منها أبدا.
قال أبو علي الجوزجاني : من أحبّ الدنيا حرم عليه طريق الاخرة ، ومن طلب الاخرة حرم عليه طلب طريق نجاته ، ومن طلب طريق النجاة حرم عليه الوصول إلى التفضل.
قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) لكل نبي وصدّيق اصطلاح في كلام المعرفة ، وطريق المحبة مع قومهم فيعرفهم طريق الحق باصطلاحهم الذي يعرفه قومه وأصحابه تسهيلا لسلوكهم وتيسيرا لإدراكهم ولو تكلموا بلسان الحق والحقيقة لم يعرفوا ذلك فهلكوا ؛ فيفتح تلك الحقائق لمن يشاء من المريدين ، ويحجب من يشاء منهم عنها غيره عليها بقوله تعالى : (فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ).
(وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مُوسى بِآياتِنا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٥) وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنْجاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ وَفِي ذلِكُمْ بَلاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ (٦))
قوله تعالى : (وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللهِ) فيه إشارة أن أيام القدم وأيام البقاء ، أيام القدم أولية الأولية المنزّه عن دهر الدهار ، والزمن الأثار ، كان في كان قبل كان وكما كان فيما كان الان ؛ فعشق بنفسه على نفسه ، وكان عروس نفسه ولم يكن في كان إلا كان ؛ فمضى على كان أيام قدم كان بلا عشق ملهوف ، ولا محب معروف ، ولا حيران سكران ، ولا عارف مكاشف ، ولا مؤنس مستأنس يتمتعون بجمال القدم في القدم فيا ويلتا من وصال فائت منّا ، وجمال غائب عنّا تذكرت أياما ودهرا صالحا ؛ فبكيت حزنا فهاجت حزني.
وأما أيام البقاء آخرية الاخرية بلا مرور الحدثان ولا علة الأكوان والأزمان بقاء سرمدي وجمال أحدي ووصال أبدي ويبقى لشهود عشاقه ومطالعة جمال أهل أشواقه كأنه قال ذكرهم أيام القدم ليفنوا حسرة على ما فات عنهم.
على ما فات أبكي من حياتي |
|
وأيام مضت في النزهات |
وذكرهم أيام البقاء ليبقوا |
|
من فرح وجد إنها أبدا |
دنا وصال الحبيب واقتربا |
|
وأطربا للوصال وأطربا |