لأزيدنكم رؤيتي.
وسئل ابن عطاء عن قوله : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) قال : إذا وردت الأشياء إلى مصادرها من غير حضور منك لها فقدتم الشكر.
وقال الجوزجاني : لئن شكرتم الإسلام لأزيدنكم الإيمان ، ولئن شكرتم الإيمان لأزيدنكم الإحسان ، ولئن شكرتم الإحسان لأزيدنكم المعرفة ، ولئن شكرتم المعرفة لأزيدنكم الوصلة ، ولئن شكرتم الوصلة لأزيدنكم القرب ، ولئن شكرتم القرب لأزيدنكم الأنس.
وقيل : إني خلقتكم لأزيدنكم الأنس بعد الوحشة ، والقرب بعد البعد ، والحضور بعد الغيبة.
قال الواسطي : ذكر الزيادة حجبهم عن الحقيقة ، ثم كشفت الحقيقة لأقوام متواجدين ، فقال : (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ) [الكهف : ٢٨] (بالغداة والعشي يريدون وجهه) ، لا الزيادة ، وفضله ولا حنته وبره ، بل الحصول مع الملك في مقعد صدق عند مليك مقتدر.
ويقال : لئن شكرتم وجود الطافي لأزيدنكم شهود أوصافي.
ثم بيّن سبحانه استغناءه عن شكر الشاكرين ، وصبر الصابرين ، وإيمان المؤمنين ، وكفران الكافرين ، بقوله تعالى : (إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ) وصف تنزيهه وغناه وحمده وفيه إشارة ، أي مادام أنا مستغن عن الأكوان والحدثان ، فلا أبالي بغفرانهم وإن أدخلهم جميعا في بحار رحمتي ، فإني حميد حمدت نفسي قبل وجود خلقي ؛ لأني علمت عجز خلقي عن حمدي.
قال أبو صالح الغني على الحقيقة : من لم يزل غنيّا ولا يزال غنيّا ، ما زاده إيجاد الخلق غنى ، بل خلقهم على حد الافتقار ، وهو الغني الحميد.
وقال الواسطي : ليس الإيمان بمقرب إلى الحق ، ولا الكفر بمبعد عنه ، ولكن جرى ما جرى به الأمر في الأزل بالسعادة والشقاء ، فظاهر الكفر والإيمان أعلام لا حقائق ، والحقائق القضاء الذي سبق الدهور والأزمان.
(قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠))