قال الأستاذ : الصابر غريق المحن لكنه راضي بحكمه ، لذيذ العيش بسره ، وإن كان مستوجبا لرحمته عن خلقيه ، والشكور غريق المنن ، لكنه محجوب بشهود النعم عن استغراقه في ظهور حقه ، بل هذا واقف مع صبره ، وهذا واقف مع شكره ، وكل ملازم بحده وقدره ، والله غالب على أمره مقدس في نفسه متعزز بجلال قدسه.
قال أبو الحسن الوراق : في هذا الاية فتح عليهم سبيل الشكر لئلا تغيروا بالنعم.
وقال : عرفهم أن الوقوف مع النعمة يقطع عن المنعم.
(وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧) وَقالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨) أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩))
قوله تعالى : (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ) علق زيادة نعمه عليهم بزيادة شكرهم ، ولا علة لفضله وكرمه ، ولا تعلق لفيضه بكسب عباده وشكرهم وصبرهم ، بل شكرهم وصبرهم من توفيقه لهم ، أن من عرف عجزه عن شكري لأزيدنّ معرفته بي ، ولعجزه عن إدراك حقيقة معرفتي ، وحقيقة شكري يكون عبدا شاكرا.
وهذا القول الحسين حين قال : إني عجزت عن موضع شكرك فأشكرك فأشكر عني ؛ فإنه الشكر لا غير.
وهذا اعتراف داود عليهالسلام فقال : إلهي لكل شكر شكر ، لأنه يكون بتوفيقك ؛ فعجزت عن شكرك فقال سبحانه : «الان شكرتني يا داود» (١) أيضا لئن شكرتم اصطفائيتي لكم بمعرفتي في الأزل ، وتعرفون حقيقتها لأزيدنكم بكشف مشاهدتي لكم حتى تعاينونني وتبصرونني بعيون المعرفة ، والقلوب الخالصة ، والأرواح العاشقة ، والعقول المتميزة في جلالي.
قال حمدون : شكر النعمة أن ترى نفسك فيه طفيلا.
قال بعضهم : من شكر النعمة زاده من أنعمه ، ومن شكر المنعم زاده معرفة به ومحبة له.
وقال ابن عطاء : لئن شكرتم هدايتي لأزيدنكم خدمتي ، ولئن شكرتم خدمتي لأزيدنكم مشاهدتي ، ولئن شكرتم مشاهدتي لأزيدنكم ولايتي ، ولئن شكرتم ولايتي
__________________
(١) ذكره القرطبي في «التفسير» (٩ / ٣٤٣) ، وابن كثير في «التفسير» (٣ / ٥٣٠).