قوله تعالى : (يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ) الإشارة في الحقيقة إلى تبدل أرض قلوب العارفين من صفات البشرية ، وأوصاف النفسانية والخواطر الرديئة إلى الروحانية المقدسة لنور شهود جمال الحق وتبدل سموات الأرواح من عجز الحدوثية ، وصفاتها وضعفها عن رؤية أنوار العظمة صرفا وكفاحا له.
قال : تعديته فالأرواح والقلوب يخرج من ضيق القبض إلى محل البسط من خفقان أخوف إلى روح الرجاء ، ومن رسوم العبودية إلى مشاهدة الربوبية ، وبروز أهل هذه القلوب والأرواح من أماكن غيبه سكارى حيارى من شدة ولههم من جماله ديموميته في ميادين وحدانيته الأزلية خرجوا بنعت المبارزة والمفاخرة بولايته وقربته يا أخي لو رأيتهم لرأيت عليهم أطراف أردية الكبرياء ، متعلقون بحقوق أزار عظمة الجبار ، يستغيثون بنعت الوله من فراقه في وصاله حتى لو رأيتهم ما رأيت عليهم رسوم المبشرات ، بل رأيت عليهم سمات الألوهيات فما الناس بالناس الذين عهدتهم.
ولا الدار بالدار التي كنت أعرف |
|
ولو تريد أن ذلك أرض الظاهر |
وسماء الظاهر إنها تبدل من هذه الصفات وظلمة الخليقة إلى أنها منورة ببروز أنوار جلال الحق عليها ، وإنها صارت مشرق عيان الحق للخلق ، وحين بدأ سطوات عزته بوصف الجبارية والقهارية بقوله : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) وهنا يا أخي الوجود تحت أخيال القدم من استيلاء قهر أنوار القدم.
قال : (كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ) قيل : فأين الأشياء آنذاك؟ قال : عادت إلى مصابها ، وقال : متى كانوا شيئا حتى صاروا لا شيء ؛ لأنهم أقل من الهباء في الهواء في جنب الحق.
وقال الواسطي : في هذه الاية ذلك لما يظهر من كشف حقائقه في بني آدم من أنبيائه وأوليائه ؛ لأن الأرض والسماوات لا يثبت لما يظهر على الأبدان من أنوار الحق.
قوله تعالى : (هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ) (١) هذا محل اعتبار العارفين لأنهم الناس بالحقيقة ليزيد شوقهم إلى جمال
__________________
(١) فإن قلت : هذا الإنذار داخل في البلاغ ؛ فهو تكرار.
قلت : إن البلاغ إنما هو بالنسبة إلى الأحكام العملية الداخلة تحت الأوامر الإلهية ، والإنذار بالنظر إلى المنكرات الداخلة تحت النواهي ؛ لأن الإنذار إعلام وتخويف ، ولا تخويف إلا حيث العصيان ، وفعل المنهي ، والمخوّف به ؛ هو العذاب الجسماني والروحاني ، وأمّا الجسماني بإحراق النار الصورية ، وأمّا الروحاني فهو بإحراق النار المعنوية ؛ وهي تجلّي الجلال ، ومن آثاره ؛ البعد والقطيعة ، فكما أن أهل الجمال