للعباد أعظم من شهود العباد عنده ؛ لأن العباد في محل الحضور وشهوده تعالى محل الكشف.
قال أحمد بن خضرويه : لو أذن لي بالشفاعة ما بدأت إلا بظالمي ، قيل له : وكيف؟ قال : لأني نلت بظالمي عالم الله من والدي ، قيل له : وما ذاك؟ قال : تعزية الله في قوله : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ).
قال ميمون بن مهران : كفى بهذه الاية وعيدا للظالم وتعزية للمظلوم.
وقال ابن عطاء في قوله : (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) هذه صفة قلوب أهل الحق ، ألا ترى الهواء قائم بالمشيئة ، والإرادة غير قائمة بعلائق فوقها كذلك قلوب أهل الحق في هذه الاية الله ليس في قلوبهم محل لغير الله إلا بساكن سوى الله ، ومثل قلوبهم كما قال الله تعالى : (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ) لا تلتفت إلى سواء ولا له قرار مع غير الله.
(وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ وَضَرَبْنا لَكُمُ الْأَمْثالَ (٤٥) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) فَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ (٤٧))
قوله تعالى : (وَسَكَنْتُمْ فِي مَساكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ) السكون في أوطان الظلم من أهلية فطرة النفس الأمّارة إليها ، وسجيات الشهوات تميل إلى محلها من الافات لتزيد حظوظ هواها ، ومن لم يخرج نفسه في زمان الإرادة من أجوار المدعين تعودت نفسه عادة الظلم في الدعاوي الباطلة ، ويقع عليه ما وقع على المدعين الكاذبين.
قال أبو عثمان : مجاورة الفساق وأهل المعاصي من غير ضرورة من فسق كامن ، ومعصية مستترة في القلب ؛ لأن الله ذمّ قوما من عباده ، فقال : وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ولم يعذر من مقام فيها ، فقال : لم يكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها.
ويقال : إن معاشرة أهل الهوى والفسق ومجاورتهم مشاركة لهم في فعلهم ، ويستقبل فاعله ما استقبلهم.
(يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ (٤٨) وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ (٤٩) سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَتَغْشى وُجُوهَهُمُ النَّارُ (٥٠) لِيَجْزِيَ اللهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٥١) هذا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُوا الْأَلْبابِ (٥٢))