وأيضا لمّا قال : فمن تبعني فإنه منّي ، قال أيضا : ومن عصاني موافقا للقول الأول كأنه أشار أن طاعة الخليقة ومعصيتها تليق بالخليقة ، وأنت منزّه من طاعتهم وعصيانهم ، أي أنا من جنسهم وهم من جنسي وأنه منزّه عن المجانسة بالحدثان ، وأيضا أضاف عصيانهم إلى نفسه ؛ لأن عصيان الخلق للخالق غير ممكن ؛ لأن ما يبدو منهم من جميع الحركات إجابة وجودهم وسر السر ، وما نعلن من حيز الإلهام والوسواس والهواجس ، وأيضا ما تخفى في أنفسنا من منازعة القدر بوصف خاطر النكرة في أمر المعيشة في صورة ما نكرة من أنفسنا من الشكوى والتغير في الغضب ، وما نعلن بجلادتنا من صبر الصبر بوصف التصبر والتشكر.
قال الخواص : إنك تعلم ما نخفي من حبك ، وما نعلن من شكرك.
وقال ابن عطاء : ما نخفي من الأحوال وما نعلن من الأدب.
قال الحسين : ما نخفي من المحبة ، وما نعلن من الوجد.
(وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ (٤٢) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ (٤٣) وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ ما لَكُمْ مِنْ زَوالٍ (٤٤))
قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) هذا من الله سبحانه محل تعظيم المراقبة والهيبة في الرعاية ، والحياء في المحاضرة وللظالم من مشرب بحر جماله وجلاله وحسنه وأفضاله شربات من محبته وشوقه ومعرفته ، ويخرج على بساطه بنعت العربدة والسكر ودعوى الأنائية ؛ لأنه يجاوز طوره.
والإشارة بقوله : (إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصارُ) لا يعني في الحقيقة أبصار سكارى المعرفة والتوحيد يوم الكشف الأكبر ، حيث تبدوا أنوار سطوات العزّة فتقضيهم عنهم بالحق وعظمته وكبريائه حتى يستغرقوا في عظمته بحيث لا يقدرون الالتفات إلى غيره بقوله : (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ).
ثم زاد في وصف قلوبهم واضمحلالها في عزّة العظمة بقوله : (وَأَفْئِدَتُهُمْ هَواءٌ) خالية عن العقول المدركة والأرواح الفائقة أو لأن من عزّة القدم شيئا ، ولا من جلا الأبدية مدركا.
ونعم ما قال سبحانه : (وَلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) حيث يشاهدهم ويشاهد ما يجري عليهم بوصف الجبارية والعظمة ؛ فإنه موضع شهوده وشهوده