البلاد عساكر أنوار أفعاله ، وفرسان تجلي صفاته ، وجنود عظائم أزاله ، وإبادة والنفس بلد الشهوات ، وسوء النهى جنود القهريات ؛ فاستعاذ به في هذا البلاد عن جنود القهر الذي معادنها النفس الأمّارة ، أي : اجعل هذا البلد آمنا بلطفك عن قهرك ، وبالروح والقلب عن النفس ، وجند شياطينها وهو أجسرها وسراق طبيعتها ، واجعلها آمنا بك عنك.
كما قال : أعوذ بك منك ، ثم سأل وقايته عن عبادته ، وبنيه أصنام الطبيعة ، والالتفات إلى الغير في طوارق البلاء ، بقوله : (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ) كل ما وقف العارف عليه ممّا وجد من الحق فهو صنمه.
ثم قال : (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ) أي : رؤية غيرك ومتابعة هذه الشهوات والهوى أضلت لما فيها من معجون قهرك كثيرا من المريدين والطالبين ، حيث ارتبط بهم في مهوات الهلاك ووطأت الغفلات.
قال عليهالسلام : «النفس هي الصنم الأكبر» (١).
ثم وصف نفسه بالإمامة في الخلة والمعرفة والشريعة والطريقة بقوله : (فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي) أي في طريق المجاهدة والمحبة والخلة بالموافقة في بذل الروح بين يديك ؛ (فَإِنَّهُ مِنِّي) أي : طينته من طينتي ، وقلبه من قلبي ، وروحه من روحي ، وسره من سري ، ومشربه في المحبة والمعرفة والخلة من مشاربي ، ومن عصاني فيما يكون عصيانك ويقتضي حجابك ليس منّي ولكن إنك غفور ذنوب قاصديك رحيم بمريديك ، بقوله : (وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فيه إشارة إلى أن كفر الكافرين ، وعصيان العاصين ، يستغرق في بحار رحمته وغفرانه ، وإن يدخلهم في جناته لا يبالي.
والحكمة في قوله : (وَمَنْ عَصانِي) وإنه لم يقل ومن عصاك أنه كان عليه عليهالسلام في محل الخلة ، والخلة توجب المحبة ، والمحبة توجب المودة ، والمودة توجب الشوق ، والشوق يوجب العشق ، والعشق محل الاتصاف والإتحاد ، وعين الجمع ، وجمع الجمع ، فالإشارة بقوله : (وَمَنْ عَصانِي) إشارة عين الجمع بعد انسلاخه من رسوم الحدوثية ، كأنه قال : فمن تبعني تبعك ، ومن عصاني عصاك ؛ لأن في حقيقة العشق العاشق والمعشوق واحد.
ألا ترى إلى قول الحلاج ـ قدس الله روحه :
ها أنت أم أنا هذا إلهين في إلهين |
|
حاشاي حاشاي من إثبات اثنين |
__________________
(١) ذكره الألوسي في «روح المعاني» (٩ / ٤٢٥).