بينكم وبينه السفير الأعلى والواسطة الأدنى.
وقال ابن عطاء : أجلّ النعمة رؤية معرفة النعم ، ورؤية التقصير في القيام بشكر المنعم.
قال : أيضا النعمة أزلية كذلك يجب أن يكون شكره أزليّا ، واعلم أن لك نفسا وروحا وقلبا ؛ فنعمة النفس الطاعة ، ونعمة الروح الخوف ، ونعمة القلب اليقين ، ونعمة الروح الحكمة ، ونعمة المحبة الذكر ، ونعمة المعرفة الألفة ، والنفس في أبحر الطاعات تتنعم ، والقلب في بحر النعيم ينقلب ، والمعرفة في أبحر القربة وانتظار العيان بتنعم.
قال : أيضا سخّر لكم الليل والنهار جعلهما ظرفا لعبادتك ووعاء لطاعتك ، وسخّر لك الشمس والقمر لتستدل بهما على أوقات العبادات ، وسخّر قلبك لمعرفته ومحبته ؛ لأن حظ الحق من العبيد قلوبهم.
قال الحسين في قوله : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) ما لا يحصى لا يتناهى لا يصح لها شكر متناه في وقت متناه ، وإنما طلبهم بالشكر ليقطعهم عن الشكر.
وقال الأستاذ : سماء القلوب زيّنها بمصابيح العقول ، وأطلع فيها شمس التوحيد هو العرفان ، ومرج في القلوب يجري الخوف والرجاء ، جعل بينهما برزخا لا يبغيان لا يغلب الخوف ولا الرجاء ، وسخّر فلك التوفيق والعصمة وسفينة الإيواء والحفظ ، وكذلك ليالي الطلب للمريدين ، وليالي الطرب لأهل الأنس من المحبين ، وليالي الهرب للتائبين ، وكذلك نهار العارفين باستغنائهم عن سراج العلم عند سطوع نهار اليقين.
(وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ (٣٥) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٣٦) رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (٣٧) رَبَّنا إِنَّكَ تَعْلَمُ ما نُخْفِي وَما نُعْلِنُ وَما يَخْفى عَلَى اللهِ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ (٣٨) الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنا وَتَقَبَّلْ دُعاءِ (٤٠) رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ (٤١))
قوله تعالى : (وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً) مظنّة الاية في حقيقة معناها البلد القلب ، والقلب بلد البلدان ، والعقل بلد القلب ، والروح بلد العقل ، السر بلد الروح والمعرفة ، والمحبة بلد السر ومشاهدة المعروف ، هناك بلد المعرفة والمحبة وسواكن هذه