بجهله بعين القدم ، ولو أدركها الغنى عن الأنائية في عين القدم ، وأي ظلم أعظم من دعوى الربوبية ومحل العبودية ، ثم وصف العطش والشوق في سراب الحيرة إلى إدراك كنّه الكنّه ، ونسي ما وجد وجهل بتنزيهه الأزلية عن مطالعة الخليقة بوصف الإحاطة ؛ فتارة ظالما من كمال استغراقه في الأزل بدعوى الأنائية ، وتارة كافرا حيث نسي ما وجد وجهل بما لم يكن مدركا إلا الحق سبحانه ، وكفرانه غاية عطشه في الشوق إلى إدارتك الربوبية ، وعلو همته في خوضه في ظلمة أصل كل أصل وعلة كل علل.
ألا ترى موسى عليهالسلام إذا استغرق في بحر الأولية كيف طلب الكل بالكل ، والاخر بالأول ، والأول بالاخر ، الصفة بالذات ، والذات بالصفات ، فقال موسى عليهالسلام : من متى أنت يا رب هذا الإنسان ، كيف يكون إنسانا حيث حمل ما لم يحمل الحدثان ، اقرأ آية : (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ) ، وأدى أمانة حمل معرفة الأولية والاخرية وكنه الكنه ، وإدراك عين العين لا بنفسه ظلما ، حيث اجتري ما اجتري ، وجهل لما رأى على ما لم ير.
قال تعالى في حقه : (إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً) قال الصادق : وسخّر لك السماوات بالأمطار ، والأرض بالنبات ، والبحر بأن تتخذ سبيلا ومتجرا ، وسخّر لك الشمس والقمر يدوران عليك ويوصلان إليك منافع الثمار والزروع ، وسخر قلب المؤمن بمحبته ومعرفته ، وحظ الله من العباد القلوب لا غير ؛ لأنها موضع نظره ومستودع أمانته ومعرفة أسراره.
قال يحي بن معاذ في قوله : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) إن الله تعالى أعطاك أكبر ما في خزانته وأجله وأعظمه من غير سؤال وهو التوحيد ؛ فكيف يمنعك ما هو دونها من الثواب والعافية بسؤال ؛ فاجتهد أيها العبد أن لا يكون سؤالك إلا منه ، ولا رغبتك إلا به ، ولا رجوعك إلا إليه ؛ فإن الأشياء كلها له فمن شغله بغيره عنه فقد قطع عليه طريق الحقيقة ، ومن شغله به جعل الأشياء كلها طلوع يديه ؛ فتنقلب له الأعيان ويقرب له البعد ؛ فيمشي حيث أحب ، ويخبر عمّا أراد ، وهذا من مقامات العارفين.
وقال بعضهم : وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها عد نعمة من نعمه يعجز عن الإحصاء ؛ فكيف إذا تتابعه النعم.
قيل : أجلّ النعمة استواء الخلقة ، وإلهام المعرفة ، والذكر من بين سائر الحيوان ، ولا يطيق القيام بشكرها أحد.
وقيل : إن الإنسان لظلوم لنفسه ، حيث ظن أن شكره يقابل نعمة كفّار محجوب عن رؤية الفضل عليه في البدء والعافية.
وقال سهل : وإن تعدوا نعمة الله عليكم بمحمد صلىاللهعليهوسلم لا تحصوه ، بأن جعل السفير فيما