من سماء القيومية على سماء الأرواح أمطار أنوار التجلي ، وأنزل من سماء الأرواح على أرض القلوب أمطار المعرفة والتوحيد ؛ فأخرج بتلك المياه من جنات القلوب ثمار المحبة والألفة والشوق والعشق رزقا للعقول والأسرار والنفوس.
قال تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ) سخّر الأرواح أن تسير في فلك قاربها في بحر الأولية والأخروية ، وتسقيها بشمال همها لوجدان عجائب بحار الذات والصفات من جواهر الأسرار والأنوار ؛ فيؤيدها الحق بأن يجري رياح الكرم ولطائف القدم ليوصلها به منه إليه.
قال تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ) سخّر للعقول إجراء أنهار الأفكار والأذكار والإدراك والأنوار والأسرار ، أجرى الحق في أرض القلوب أنهار معرفته ومجده ، يسقيها معادن نور حكمته وعروق ورد شوقه وأصول شقائق الصدق والإخلاص.
قال تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ) الشمس والقمر ها هنا نور الإيمان ، ونور اليقين ، ونور المعرفة ، ونور التوحيد ، ونور المحبة والشوق ، ونور الهداية والتوفيق ، وأصل ذلك شروق شمس مشاهدة الذات ، وبروز قمر نور الصفات من مطالع الأرواح والقلوب ؛ ليريان نبات المعارف وأشجار الكواشف ، ونرجس الإيمان وورد الإيقان.
قال تعالى : (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) جاء بظلمة النفس للامتحان ، وجاء بنهار القلب للعرفان ، جاء بليل القهر للنكرة ، وجاء بنهار اللطف للمعرفة ، جاء بليل الحجاب للعتاب ، وجاء بنهار كشف النقاب للسرور بالماب ربّي سواكن الأرواح والقلوب والعقول ، وبالنفوس والأشباح من الأسرار والأفهام والعلوم والحكم والفطن والحقيقة والمعرفة والمحبة والصدق والإخلاص والتوكل والرضا بليل كشف ظلال الصفات ، وظهور نهار سبحان الذات ليتم نعمته من الولاية والكرامات لها التي لا نهاية ولا غاية.
قال تعالى : (وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ) أتاكم ما سألتم منه في معاهد الأول وعقود ألست بربكم من كشف الجمال والوصول إلى وصال الذي جلاله غير محصور وكماله غير مقصور بقوله : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها) عمة الله كشف صفاته وذاته لهم ، وتعريفها إياهم على نعت السرمدية لا يبلغ إلى وصفها حساب الحدثان وعدد الزمان والمكان ، ثم شكيّ سبحانه من المنعم عليه حيث ظلم بعد هذه النعم والكرم بسكونه بما وجد وعصيانه لمن أوجد ، بقوله : (إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ) وصف شكره في التوحيد حيث استغرق في بحر الديمومية واتصف بتلك الصفة ، وخرج منها بدعوى الأنائية ظلم