شاء بأهل العناية والسعادة ، ويفعل ما يشاء بأهل البعد ببعادهم عن قربه ليس عليه في إبرام حكمه نقص في ردهم وقبولهم.
قال بعضهم : الخلق كلهم مجبورون تحت القدرة ، مقهورون على بساط الجبروت ، ليس إليهم من أمورهم شيء ، ممنوعون عمّا يريدون ، يقضى عليهم ما يكرهون ، وهذا من أثار العبودية ، والله تبارك وتعالى مدبر الأمر ومنشأها أنشاها على إرادته ، وأبدعها على مشيئته ، لا ناقص لما أبرم ، فلا هناك على الحقيقة فعله ، والكون صنعه لا علة لفعله ولا بضعه.
قال الشبلي في قوله : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا) إذا أكرمه بالتثبيت كشف وأعطى كمال المعرفة ، ومقال الصدق والتوكل ، ومحض الإخلاص ، وحقائق اليقين ، وكوشف عن مقامات الولاية التي لا نهاية لها ، وذلك وصف من ثبته.
وقال : الصادق ثبتهم في الحياة الدنيا على الإيمان ، وثبتهم في الاخرة على صدق جواب الرحمن ، ثم شكيّ عن المغيرين نعمته عليهم بقلة الشكر في نعمته وقلة الصبر في محنته بقوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً) نعمة الله ها هنا العقل والعلم والاستعداد ، وجمال الصورة والهيئة ، بدّلوا العقل بالعبادة ، وبدّلوا العلم بالجهل ، وبدّلوا استعداد قبول الإيمان بقبول الشرك والشك من النفس والشيطان ، وبدّلوا جمال الصورة بقبح المعاصي ومباشرة الشهرة ، ويا ليت تلك النعمة لو ساعدها العناية الأزلية ، وكيف يتبدل محل العناية ولو غاص المنعم عليه في بحر الكفر والمعاصي ألف مرة.
قال أبو عثمان : أجهل الخلق بنعمة الله من استعملها في أنواع المعاصي ولم يقم بشكرها في أن يعمل بها في طاعة الله.
(اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤))
قوله تعالى : (اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) خلق السموات الأرواح وعرض القلوب ، زيّن السموات بأنوار الجبروت ، وزيّن الأرضين بأنوار الملكوت ، رفع هذه السموات بأنوار الذات ، وبسطه هذه الأرضين بأنوار الصفات.
قال تعالى : (وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ) أنزل