(إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (٩) وَلَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ (١٠) وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ (١١))
قوله تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) الذكر صفته ، وصفته قائمة بذاته ، وهو منزّه عن تغيير كل مغيرات ، نزّلنا القرآن في قلوب العارفين وصدور الموقنين وأسرار الموحدين وإنا له لحافظون ، من مخالفتهم القرآن يحفظ قلوب الصدّيقين والصادقين بما حفظ قرآنه عن شكوك النفس ، ومغالطة الشياطين ، وحركات الضمائر بالخطرات المذمومة ، وأيضا كاشفنا عن أسراره في قلوب أوليائي ، وبما كشفنا منه لهم حافظون بحفظها في صميم أسرارهم ، ويحفظ أسرارهم عن غير فهم حقيقي.
قال ابن عطاء : نحن أنزلنا هذا الذكر شفاء وبيانا وقرآنا وفرقانا ؛ ليهدي به من كان موسوما بالسعادة ، منور بتقديس السر عن المخالفة ، وإنا له لحافظون ، وإنّا نحفظه في قلوب أوليائه ، ونستعمل به جوارح الخواص من عبادنا.
يقال : أخبر أنه حافظ القرآن ، وإنما يحفظه بقراءته ، فقلوب القراء خزائن كتابه ، وهو لا يضيع حفظة كتابه ، فإن في تضييعهم تضييع كتابه.
(كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ (١٢) لا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَلَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ (١٤) لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ (١٥))
قوله تعالى : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ) أي : كما أدخلنا الضلال والكفر في قلوب منكري أنبيائنا وأوليائنا الأولين ، حتى كفروا بهم ولم يؤمنوا بما جاءوا به ، يدخل في قلوب هؤلاء المنكرين الكفر والضلال ، ونسدد أبصار قلوبهم عن رؤية حقيقة مشاهدة آياتنا ، ونحجب بصائرهم عن إدراك لطائف كتابنا ، وما يبدو من أنوارنا عن وجوه أوليائنا ، حتى لا يذوقوا طعم لطيف الخطاب ، ولا يروا إلينا طريق الماب.
قال الأستاذ : أزاغ قلوبهم عن شهود الحقيقة ، وسد بالحرمان عليها سلوك الطريقة.
(وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ (١٦) وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ (١٧) إِلاَّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ مُبِينٌ (١٨) وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ (١٩) وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ (٢٠) وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢١) وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ (٢٢) وَإِنَّا