لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوارِثُونَ (٢٣))
قوله تعالى : (وَلَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاها لِلنَّاظِرِينَ) أخبر بجلاله وعز كبريائه عن سموات الذات ، وأبراج الصفات ، وأنه كشف أنوارها وأسرارها لنظّار الأرواح والعقول والقلوب ؛ لتسير في أبراجها بقدر قوتها من قوى السعادة والتوفيق ، فكواكب الأرواح تسري في أبراج الأزليات والأبديات ، ونجوم العقول تسير في أبراج أنوار العظمة والكبرياء ، وسيارات القلوب تسير في برج سنا الجلال والجمال ، وأقمار الأسرار وشموسها تسير في بروج سبحات الذات ، فتحصيل الأرواح من أماكنها وسيرها التوحيد والتجريد والتغريد ، وتحصل العقول من سيرها المعارف والكواشف ، وتحصل القلوب من سيرها العشق والمحبة والشوق والخوف والرجاء والقبض والبسط والعلم والخشية والأنس والانبساط ، وتحصل الأسرار من سيرها الفناء والبقاء والسكر والصحو ، ولكل عارف وموحد ومحب وشائق وصادق ومخلص ومريد من كل برج من أبراج الصفات له نظر وفهم وعلم ومعرفة وكشف ومقام وعمل ونطق وإشارة وعبادة وجد وحال وأدب وأفعال وما لا يتناهى من دنيات ثمارها المشاهدات ولطائفها المكاشفات ؛ لأن منابعها الصفات التي منزهة عن الحدود والعلات ، ومن سار في أبراج الصفات يرى منابع الصفات ، وهي عيون ألوهية الذات ، سبحان من عظم شأنه وتقدست أسماؤه وصفاته وذاته عن أوهام الخليقة ، ومن إدراك قلوب البرية ، وذلك قوله بوصف تنزيهه : (وَحَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ) منع كشف جمال صفاتها وجلال ذاتها عن أبصار البطّالين والمدّعين والمبطلين الزائغين عن الحق المقبلين على الخلق ، هذا من أعالي دقائق الإشارات ، وإشارة الأدنى أنه تعالى جعل في سماء الأرواح أبراج أنوار تجلي صفاته وذاته ، فسيارات أنوار الصفات والذات تسير في أبراج همها ، وجعل تلك الأبراج منورة مزينة بزينة نور الصفات والذات لسكان أرض القلوب من أنظار العقول ؛ لترى العقول في ترائيها أقمار الصفات وشموس الذات من حيث التجلي لا من حيث كينونة الحلول ، فتستشرف على أسرار معارف جوده ووجوده ، فلكل نظر منها فائدة في القلوب من المواجيد والحالات والمعاملات والمقامات ، مثل الوجل والخشية والندم والرهبة والرغبة والمراقبة والمحاضرة والخطاب والشهود والوقوف بأسرار العبودية والربوبية ، فنعت تلك القلوب بما رأت تلك العقول من أبراج سماء الأرواح الوجد والهيجان والهيمان والوله والزفرات والعبرات ، صواحبها أوتاد الأرض ونقباء الأولياء وأصفياء الحضرة شمائلهم أنوار جود الله ، يظهر من وجوههم سنا وجود الله ، سبحان الله ، من هم وأين مأواهم؟ طوبى لهم ، ثم طوبى لهم ثم بفضله وجوده وحفظ تلك البروج من هواجسات النفوس ووساوسات