ذلك وهو يسع حمل الملك والملكوت ، ولما تجلى لها تزلزلت من هيبته وإجلاله ؛ فألقى فيها رواسي العظمة وشدها بحبال أنور الكبرياء ، وربطها بأوتاد العقول وأنبت فيها بمياه بحار زلال نور غيبه من جميع نبات المعارف والكواشف والمواجيد والحالات والمقامات والاداب ، وتلك الحقائق والهبات موزونة بقدر تجليه وميزان علمه ، وأيضا فيه إشارة أخرى أن رواسب الأرض أولياء الله ، وكما أن الجبال والرواسي بالتفاوت في صغرها وكبرها ، فكذلك الأولياء بالتفاوت في مقاماتها وأحوالهم عند الله ، فالرواسي أعظم الجبال ، فأعظم الأولياء الغوث والثلاثة المختارون والسبعة ثم العشرة ثم الأربعون ثم السبعون ثم الثلاثمائة وهم الأبدال والأوتاد ، والسبعون النقباء ، والأربعون الخلفاء ، والعشرة العلماء ، والسبعة العرفاء ، والثلاثة أهل المكاشفة وهم الرواسي والغوث ، أعني القطب مثله مثل جبل قاف والأوتاد مفزع ، العامة والنقباء مفزع الأوتاد ، والخلفاء مفزع النقباء ، والعلماء مفزع الخلفاء ، والعرفاء مفزع العلماء ، وأهل المكاشفة مفزع العلماء ، والقطب مفزع الكل.
قال بعضهم : مدّ الأرض بقدرته وأمسكها ظاهرا بالجبال والرواسي ، وأما الرواسي على الحقيقة ؛ فهو مقام أوليائه في خلقه بهم يدفع البلاء عنهم وبمكانهم بصرف المكاره ، فهم الرواسي على الحقيقة لا الجبال.
قال محمد بن علي الترمذي : أن في العباد عباد هم المفزع ومن فوقهم الأوتاد ومن فوقهم الرواسي.
قال : المفزع مرجع عامة العباد ، ومرجع المفزع إذا هال الأمر إلى الأوتاد (١) ، ومرجع الأوتاد ، إذ يستعجل الأمر إلى الأوتاد وهم خواص الأولياء ، قال الله تعالى : (وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ).
وقال سهل : مدّ الأرض ووسع رقعتها ليسير فيها الناظر بالغيرة والاعتبار ؛ فيطلب فيها أماكن الأولياء وهم الرواسي الذين بهم قوام الأرض.
قال الأستاذ : نفوس العابدين أرض العبادة ، وقلوب العارفين أرض المعرفة ، وأرواح المشتاقين أرض المحبة والخوف والرجاء لها رواسي وكذلك الرغبة والرهبة.
وقال : كما أنبت في الأرض فنون النبات أنبت في القلوب صنوفا من الأزهار والأقمار ، فمن نور اليقين ، ونور العرفان ، ونور الحضور ، ونور الشهود ، ونور التوحيد إلى غير ذلك من
__________________
(١) الأوتاد : هم أربعة في كل زمان ، الواحد منهم يحفظ الله به المشرق وولايته فيه ، والاخر المغرب ، والاخر الجنوب ، والاخر الشمال ، وحكم هؤلاء في العالم حكم الجبال في الأرض ؛ فإنه بالجبال يسكن ميل الأرض.