الأنوار ، ثم وصف سبحانه معايش الجمهور مما ينبت أرض القلوب من زهر المعارف والكواشف بقوله : (وَجَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ) معايش الصديقين في أرض أنوار الشهود ، ومعايش المحبين ظهور نور تجلي ، ومعايش العارفين كشوف التدلي ، ومعارف الموحدين استماع الخطاب بعد الكشف ، ومعايش سكان أرض القلب من العقل والفهم والنفس نور الإيمان والبرهان والإيقان وذلك قوله : (وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرازِقِينَ) هو بجوده سبحانه رازق الأرواح ورازق العقول والنفوس.
قال الأستاذ : سبب عيش كل أحد مختلف ، فعيش المريدين بيمن إقباله ، وعيش العارفين بلطف جماله ، وعيش الموحدين بكشف جلاله ، كل مربوط بحاله ، ولكل نصيب من أفضاله ، والحق منزّه عن التحمل بأفعاله ، ثم وصف سبحانه سعة قدرته وعلمه وملكه وملكوته وخزائن جوده بقوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) أي : ما من شيء في قلوب العارفين من أنوار المكاشفة والمعرفة والتوحيد والإيمان واليقين والمقامات والحالات والإلهام والخطاب إلا عندنا خزائنه ، وخزائن هذه الحقائق ذاته القدمية وصفاته الأبدية ، فإن كل وجد وكشف وعلم وحال ومعرفة وتوحيد مقام ومقال يتعلق بكشف الذات والصفات وكشوف أنوارها تظهر بقدر قوة القلوب مقرونة بالإرادة الأزلية بقوله : (وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ) وعلم الإشارة في الاية دعوة العباد إلى حقائق التوكل بوصف قطع الأسباب والأعراض عن الأغيار.
قيل : كان الجنيد إذا قرأ هذه الاية : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ) قال : فأين تذهبون؟
قال بعضهم : القلوب خزائن الحق عند الخلق أودع فيها أجل شيء وهو التوحيد وزينها بالمعرفة ونورها باليقين ومجدها بالتفاني في أوصافه.
قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «قلب ابن آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء» (١).
وجعل آثار أنوار القلوب على الجوارح من التسارع إلى الطاعات ، والتثاقل عن المعاصي والمخالفات ، وهذا دليل لما قلت من الكرامات لذلك ، قال الله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ).
وقال حمدون : قطع أطماع عبيده عن سواه بقوله : (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا
__________________
(١) سبق تخريجه.