خَزائِنُهُ) فمن رفع بعد هذا حاجته إلى غيره فهو لجهله ولومه.
قال ابن عطاء : في هذه الاية النظر إلى شواهد القسم أسكنت بالنفوس عن الحكم.
وقال سهل : أخص خزائن الله في الأرض قلوب أوليائه التي هي محل معرفته وغيبه ومحل نظره ، فمن حفظ تلك الخزانة بالذكر الدائم والمراقبة عمّر الله قلبه بالرجوع إليه على دوام الأوقات والأعراض عما سواه.
وقال : خزائنه في الحقيقة مقدوراته وهو سبحانه قادر على كل ما هو موهوم الحدوث.
ويقال : خزائنه في الأرض قلوب العارفين بالله في الخزانة جواهر من كل صنف ، فحقائق العقل جواهر ومنعها في قلوب أقوام ، ولطائف العلم جواهر ، وبدائع المعرفة جواهر ، وأسرار العارفين مواضع سره ، فالنفوس خزائن توفيقه ، والقلوب خزائن تحقيقه ، واللسان خزائن ذكره.
ويقال : أرواح قلوب الفقراء عن تحمل المنّة من الأغنياء فيما يعطوهم ، وأرواح الأغنياء عن مطالبة الفقراء منهم شيئا ، فليس للفقير صرف القلب من الله إلى مخلوق ، ولا افتقار منه لأحد ، ولا للغني بقليل منه لأخذ ذلك الملك كله لله ، والأمر بيد الله فلا قادر على الإبلاغ إلا الله.
ثم وصف الرياح اللواقح التي تحمل الأشجار ثمارها بقوله : (وَأَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ فَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَسْقَيْناكُمُوهُ وَما أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ) غرس في قلوب أوليائه أشجار المعرفة التي هي من بساتين غيب ملكوته وجبروته ، ثم أرسل عليها رياح لطفه بكشف جماله لها ؛ فتلقح بشمال جماله أشجار معرفتهم ثمار محبته وشوقه وعشقه ، ثم سقاها بمطر عنايته من بحر كرمه حتى أثمرت كل غصن منها حكمة من حكمه وعلما من علومه ، وخبرا من غيبه ، وسرّا من أسراره ، وحقيقة من حقائقه بها نسائم الأنس ، ونورها لطائف القدس ، وزهرها من لوائح إنصاف ، ووردها من لوامع الذات ، وفواكهها حياة مرضي المريدين تشفيهم من داء الفراق ، وتربيهم بترياق الوفاق ، فكل سالك عارف عاشق محب واله سقاه الحق من مطر لطفه من بحار كبريائه شربات مفرحات الأفراح بأقداح الأرواح ؛ فيصير سكران جماله من حب جلاله هائما من شوقه إلى وصاله ، فلا العاشق الشائق يسكن من سكره ، ولا من سقي شرابه ، ولا ينقص بحر وصاله من شرب عاشق جماله وكمال جلاله.
شربت الحب كأسا بعد كأس |
|
فما نفذ الشراب ولا رويت |
قال بعضهم : رياح الكرم إذا هبت على أسرار العارفين أعتقتهم من هواجس أنفسهم ، ورعونات طباعهم ، وفساد هواهم ومراداتهم ، ويظهر في القلوب نتائج الكرم ، وهي