كان لفظه الخلاق متعلقا بمعنى الإيجاد والتقدير ، وأيضا فيه إيماء من معنى الخلق والتخلق كأنه داعي حبيبه إلى التخلق بخلقه في العفو والكرم ، ثم واساه بأنه عليم بما قلبه من الشفقة على دينه ، وأيضا الصفح الجميل مواساة المذنب يرفع الخجل عنه ، ومداواة موضع آلام الندم في قلبه.
روى عمرو بن دينار عن محمد بن الحنفية عن علي ـ رضوان الله عليهم ـ في قوله : (فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ) ، قال : هو الرضا بلا عتاب.
وقال بعضهم : صفح لا توبيخ فيه ، ولا حقد بعده ، والرجوع من الأمر إلى ما كان قبل ملابسة المخالفة.
ثم إن الله سبحانه وصف امتنانه عليه بما أعطاه من علوم الألوهية وأسرار الربوبية ليزيد رغبته في الصفح والعفو والكرم ، ومواساة عباده ، وتحمل إيذائهم بقوله : (وَلَقَدْ آتَيْناكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثانِي) فيه بيان التخلّق والاتّصاف بصفاته القديمة ، وأخلاقه الكريمة.
أي : ألبسناك أنوار سبع الصفات من صفاتنا ؛ لتتصف بها ، وتتخلق بخلقها ، فتكون ربانيّا ، ألوهيّا ، جبروتيّا ، ملكوتيّا ، جلاليّا ، جماليّا ، نوريّا ، قدسيّا ، أوليّا ، آخريّا ، رحمانيّا ، رحيميّا ، ذاتيّا ، صفاتيّا ، والسبع المثاني سبع بحار الصفات القديمة ، فغسله فيها ، وألبسه من أنوارها كسوة الربوبية حتى تكون مرآة الله في بلاد الله وعباده ، فسقاه من بحر علمه شرابات ، ومن بحر قدرته ، ومن بحر سمعه ، ومن بحر بصره ، ومن بحر كلامه ، ومن بحر إرادته ، ومن بحر حياته ، فصار عالما بعلمه ، قادرا بقدرته ، سميعا بسمعه ، بصيرا ببصره ، متكلما بكلامه ، مريدا بإرادته ، حيّا بحياته ، فعلم بعلمه علم ما كان وما سيكون ، ويقلّب الأعيان في السموات والأرض بقدرته ، ويسمع حركات الخواطر بسمعه ، ويرى ما في الضمائر ويبصره ، ويتكلم بحقائق الربوبية والعبودية بكلامه ، ويكون ما أراد بإرادته ويحي القلوب الميتة والأبدان الفانية بحياته ، ولكل صفة منها ثانيها من جمهور الصفات الخاصة على إزاء كل صفة منها صفة ، حتى يكون مثاني ، ومنها القدم ، والبقاء ، والجلال ، والجمال ، والرؤية ، والصمدية ، والربوبية ، فالصفات الأولى مع هذه الصفات السبع المثاني ، فكان من مشاهدة القدم والاتصاف به صار بنعت التجريد عن الحدثان ، ومن مشاهدة البقاء والاتصاف به ، صار متمكنا في محل الصحو ، ومن مشاهدة الجلال والاتصاف به صار في محل الهيبة مهيبا في السماوات والأرض ، ومن مشاهدة الجمال والاتصاف به صار عاشقا بوجه القدم ، وصار مرآة جمال الحق في العالم ، ومن مشاهدة رؤيته ، والاتصاف بها ، صار شائقا محبّا مستغرقا في بحر الأزل ، وصار معشوقا لقلوب الخليقة ، ومن مشاهدة الصمدية واتصافه بها ، صار صمدانيّا