موصوفا بالإرادة القديمة ، والعلم القديم وفي الإرادة ، والعلم كان كون العالم والعالمين فتقاضى سر الإرادة كون الوجود ، فكوّن الحق الكون بأمره القديم الذي كان في نفسه ، فوقع الأمر منه بغير زمان ومكان ، فصدر الكون من الأمر بما كان في إرادته وعلمه ، فكوّن ذلك أبد الابدين بغير سؤال من الغير ، ولا انتظار ، ولا تعجيل ، فإن الأمر قائم به ، وللأمور معلق به وجفّ القلم بما هو كائن ، فإذا سقط السؤال والعجلة إذ هما صفتا جاهل بالله وبأمره ، ولو كان الأمر يأتي بمراد الحدثان لكان نقصا في الوحدانية ، لذلك نزّه نفسه عن ذلك النقص بقوله : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ) يا أيها الفاهم الأمر منه ، صفته قديمة أبديته ، وهو تعالى قائم قديم بجميع ذاته وصفاته ، ظهر حيث ما غاب ، ظهر لنفسه بنفسه من الأزل إلى الأبد ، فما معنى الإتيان الأمر والأمر قد أتى في القدم من القدم ، ولكن ظهر بالإرادة للقدم ولكون وجود الحدث فالاستعجال لمعنى غير قائم ، فأمره قائم قبل وجود العالم ، وإشارة المعرفة أن العارف الصادق العاشق الشائق أبدا يستعجل إتيان المقامات والواردات ، وكشوف المشاهدات ، من كمال شوقهم إلى لقائه كأنّه قال سبحانه أنّ هذه تتعلق باختصاصه ، وقد أتى هذه الخاصية بغير سبب ولا علة ، كان في الأزل مشتاقا إليكم قد خّصكم بولاية قبل وجودكم فما معنى الاستعجال.
قال بعضهم : هل رأيتم أمرا من الأمور إلا بأمره ، وهل رأيتم وحدا وفقدا إلا به ، لا تتعجلوا بطلب الفرج ، فإنّ النصر مع الصبر.
قال النصر آبادي : أوامر الحق شتى بالعبادات أمر على الظاهر من الترسم ، وأمر على الباطن من دوام المراعاة ، وأمر على القلب بدوام الراتب ، وأمر على السر بملازمة المشاهدة وأمر على الروح بلزوم الحضرة ، فهذا معنى قوله تعالى : (أَتى أَمْرُ اللهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ).
قال الأستاذ : أصحاب التوحيد لا يستقبلون شيئا باختيارهم ؛ لأنه سقط منهم الإرادات والمطالبات ، فهم خامدون تحت جريان تصاريف الأقدار ، فليس لهم إيثار ولا اختيار ، ومن خاصيته لأوليائه إلقاء الهام في قلوبهم بواسطة الملائكة بقوله : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) مقامات الوحي فنون ، فبعضها وحي الذات ، وبعضها وحي الصفات ، وبعضها وحي الفعل ، ومنه لّمات الملك ، وما يأتي به من الوحي يكون على مراتب أرباب القلوب ، فوحي في مقام العبودية ، ووحي في قرآن الحق من الباطل ، وتخويف من الفراق ، أو بشارة لنيل الوصال وتعريف لأسرار عيوب النفس ، ومداولتها ، ودفع مكائد الشيطان ، ورد وسواسه ، وتربية العقل بالتفكر ، وتربية القلب بالذكر ، ولتصفية السر بنور الفراسة ، أو خبر من الغيب الكائن من وقوع المقدرات ما يختفي في الضمائر