والسرائر ، أو خبر عن وقوع كشف عالم الملكوت ، أو خبر عن اختصاص الربانية من لمعان أنوار الذات والصفات ، فالملائكة يخبرون أرباب القلوب من أسرار ما وصفنا ومخاطبتهم مع القلوب ، ألا ترى كيف قال تعالى : (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (١٩٣) عَلى قَلْبِكَ) وأما وحي الصفات يكون بأنواع على مراتب الصفات تخاطب الأرواح على قدر سيرها في عالمها ، وأما وحي الذات يكون مع الأسرار ، وهناك يتزلزل الصفات ، ويتغير الأفعال ، تضمحل الرسوم ، وتسقط الوسائط يحدث في السر بالسر للسر ويظهر للسر ما في السر.
قال عليهالسلام : «إنّ في أمتي محدّثين مكلّمين ، وإنّ عمر منهم» (١).
فالمحدثون الذين يتحدث معهم الملائكة والمكلمون الذين يكلمهم الله ، يجوز أن يحدثهم الله ، وبيان قوله سبحانه : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ) الروح الوحي الإلهي سمّاه بالروح ؛ لأنه كلامه صدر من ذاته ، وهو حياة قلوب الصديقين من المكلمين والمحدثين ، وهو سبب حياة قلوب المؤمنين ، يحييهم بعلمه من موت الجهالة ، بخبر الأولياء من وحيه ما يهذب قلوب السامعين ، وهو توحيده ، ووصف عظمته ، وكبريائه ، ليسقط عنهم الخيال ، وليزل عن قلوبهم المحال بقوله : (أَنْ أَنْذِرُوا أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ) خوّفوا الخلق من الخواطر الرديئة الممزوجة بالنظر إلى غيري ، وخوّفوهم من عظم جلالي ، ونعوتي الشاملة على كل أسرار وأخطار.
قال بعضهم : من أنذر وحذّر فقد قام بمقام الأنبياء ، ربما يأتي أمره بالبلاء ، وربما يأتي أمره بالرحمة ، فالصبر في الأوقات والرضا بأمر الله ، وذلك لكل أوّاب حفيظ ، يحفظ أوقاته ، ولا يضيع أيامه.
قال ابن عطاء : المحدث من العباد من يكلمه الملك في سره ، ويطلعه على خصائص الوجود ، ويفتح لروحه طريقا إلى الأشراف على الموت.
قال الله : (يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ).
قال الأستاذ : في قوله : ينزل الملائكة بالروح على الأنبياء بالوحي والرسالة ، وعلى أسرار باب التوحيد ، وهم المحدثون ، فالتعريف للأولياء من حيث الإلهام والخواطر ، وإنزال الملائكة على قلوبهم ، غير مسدود ، ولكنهم لا يؤمرون أن يتكلموا بذلك ، ولا يحملون رسالة إلى الخلق.
(وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ (٦) وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ
__________________
(١) سبق تخريجه.