لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٧) وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ (٨))
قوله تعالى : (وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ) أي : هي زينتكم بالظاهر ، وللعارفين في سرجها وإراحتها جمال ، وهو جمال الصفة الإلهية يظهر في محل بنعت عين الجمع لأبصارهم ، فيزيد من رؤية ذلك الجمال محبتهم في شوقهم إلى الله سبحانه ، والأرواح ، والقلوب ، والأسرار ، رغبة في عالم الملكوت ورياض الجبروت ، ولأربابها رؤية جمال الحق في تقلبها إلى معارج الغيب ودرجات القرب حين صعدت بأجنحة المحبة إلى سرادق المملكة ، وحين نزلت بأوقار المعرفة ، وهي مطايا الملكوت تحمل أثقال أشواق المحبين إلى حضرة الجبروت ، وتأتي برواحل أسرار الصفات إلى ميادين العبودية ، بقوله : (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) إذا أراد سبحانه أن يفتح أبواب الغيوب لأهل القلوب يرسل على قلوبهم حوامل أنوار العناية ، فتحمل القلوب بقوة فيض المشاهدة إلى عالم الغيب ، وتراها أسرار عجائب الملك والملكوت ، وهم أصحاب الجذب والواردات بلغوا بالجلالات إلى بلاد المشاهدات ، ولو كانوا أهل السلوك لا يبلغون إليها إلا بلزوم المراقبات والمقامات.
قال الله تعالى : (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ) لا بالسير في المقامات ، ولزوم الطاعات ، ودليل الجدية والعطف ، بغير العلة (١).
قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ) فالمجذوب محمول الله بمطية فضله إلى بلد مشاهدته ، فمن محمول بنور فعله ، ومن محمول بنور صفته ، ومن محمول بنور ذاته ، فمن حمله بنور فعله يكون بلده مقام الخوف والرجاء ، ومحلته صدق اليقين ، وداره مربع الشهود ، ومن حمله بنور صفته ، فبلده مقام المعرفة ، ومحلته صفو الخلة ، وداره المودة ، ومن حمله بنور ذاته ، فبلده التوحيد ، ومحلته الفناء ، وداره البقاء.
قال بعضهم : يدوم المحمول على بساط الرفاهية ، والحامل في مفاوز المشقة ، فمن حمل فقد كفى ، ومن أهمل فقد ضيق عليه ، لذلك قال : لم يكونوا بالغيه بأنفسكم وتدبيركم إلا بشق الأنفس ، وربما يهون على من يشاء من عبيده حتى لا يصليه في سيره تعب ، ولا نصب كذلك سير العارفين من سير الزاهدين.
قال ابن عطاء : تضعف الأنفس عن حمل تلك المشاق ، وتقوي القلوب على ذلك حتى
__________________
(١) جمع ثقل بفتح الثاء والقاف وهو متاع المسافر وحشمه أي تحمل أمتعتكم وأحمالكم.