لا يلحقه كراهية بعد ، إلى أن علم إلى أين مقصده ، وبأمر من قام وقصد.
وقال الجنيد : في هذه الاية دليل على أن مراد البلوغ إلى مقصده يجب أن يكون أقل أمره ، وقصده الجهد والاجتهاد ؛ ليصل بركة ذلك إلى مقصوده.
قوله تعالى : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) إنّ الله سبحانه خير الإفهام والعقول عن حصر أفعال وبدائع صنعه ؛ لأنها قاصرة بفتورها عن إدراك لطائف فعل وعجائب قدرته ما يصدر من غيبه من الالاء والنعماء ، أي : إذا عجزتم عن إدراك الخلق فكيف لا تعجزون عن إدراك الخالق وهو قادر أن يخلق على أدابر نملة ألف ألف عرش ، وألف ألف كرسي ، وألف ألف عالم ، يخلق بساتين الروحانية في قلوب الأطيار والوحوش والبهائم ، وهم بها يعيشون ، ويحيون ، ويسرحون ، ويخلق في قلوب الجن جنان الرحمة ، ونيران العذاب ، ويخلق في قلوب الملائكة بحار التسبيح والتهليل ، ويخلق في قلوب عقلاء المجانين عيون الحكم والمحبة والشوق والمناجاة ، ويخلق لعشاق حضرته من العارفين من صور الروحانية عالما في عالم ، ويتجلى بجوده وجلاله منها لهم ، ولا يعرفها إلا شائق عاشق واقف بأسرار الربوبية.
روى الضحاك عن ابن عباس في قوله : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) قال : يريدان عن يمين العرش نهرا من نور ، مثل السماوات السبع ، والأرضين السبع ، والبحار السبع ، يدخله جبريل عليهالسلام كل سحر فيغتسل ، فيزداد نورا إلى نوره ، وجمالا إلى جماله ، وعظما إلى عظمه ، ثم ينتفض فيخرج الله من كل قطرة تقع من ريشه كذا وكذا ألف ألف ملك ، يدخل منهم كل يوم سبعون ألف ملك البيت المعمور ، وفي الكعبة سبعون ألفا لا يعودون إليه ، إلى أن تقوم الساعة.
قال بعضهم : علمك الحق الوقوف عندما لا يدركه عقلك من آثار الصنع ، وفنون العلوم لا تقابله بالإنكار ، فإنه خلق ما لا يعلمه أنت ولا يعلمه أحد من خلقه إلا من علّمه الحق ، ألا ترى يقول : (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ).
قال : القسم مقدر عليكم من أفعالكم ما لا تعلمون إلا في وقت مباشرته ، وهو عالم به ؛ لأنه الذر قدر وقضى.
وقال الواسطي : يخلق فيكم من الأفعال ما لا تعلمون إنها لكم أم عليكم.
(وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْها جائِرٌ وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ (٩) هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً لَكُمْ مِنْهُ شَرابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ (١٠) يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ وَالزَّيْتُونَ وَالنَّخِيلَ وَالْأَعْنابَ وَمِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ