يَتَفَكَّرُونَ (١١) وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّراتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (١٢) وَما ذَرَأَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَذَّكَّرُونَ (١٣) وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْماً طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَها وَتَرَى الْفُلْكَ مَواخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (١٤))
قوله تعالى : (وَعَلَى اللهِ قَصْدُ السَّبِيلِ) أي : على الله الطريق المستقيم أن يعرفه من اصطفاه في الأزل بمحبته ، والإيمان به ، والإيقان في معرفته بربوبيته ، أي : على الله الهداية ، لا على غيره من العرش إلى الثري ، أي : أنه لا شريك له في ألوهيته بأن يجد أحد سبيلا إليه بغير إرادته ومشيئته ، أو يأخذ طريقا من طرق معرفته بسبب من الأسباب أو علة من العلل.
(وَمِنْها جائِرٌ) أي : من السبيل مائل عن طريق الصواب ، وهو طريق قهره ، أجلس شيخ الضلالة على رأس وادي الطغيان ، فمن طرده عن طريق المستقيم سلّط عليه الملعون حتى يغويه في أودية الشهوات ، وقفر الظلمات ، وأن الضلالة والهدى يتعلقان بقهره ولطفه ، ولو أراد أن يجيز الكل في حيز الرحمة لكان كما أراد ، ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، تصديق ذلك قوله : (وَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ).
قال الواسطي : على الله أن يهدي إلى قصد السبيل ، ومن السبيل ما هو جائر ، والله سبب الجائر ، والسبيل القصد ، والسلوك على أنوار اليقين ، والجائر في السبيل على سبيل التوهم والدعاوى.
(وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (١٥) وَعَلاماتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (١٦) أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (١٧) وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١٨) وَاللهُ يَعْلَمُ ما تُسِرُّونَ وَما تُعْلِنُونَ (١٩) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠))
قوله تعالى (وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) لّما أشرقت أرض القلوب بأنوار عظمة الازال والاباد ، وسنا سبحات الذات والصفات ، وتزلزلت واهتزت وكادت أن ترتفع في هواء الهوية ، فألقى الحق سبحانه رواسي علومه الغيبية ، ومعارفه السرمدية ، حتى لا تطير بأشباحها وأرواحها ، وأرباب هذه القلوب رواسي الأكوان والحدثان ، ولو لا هم لطار الأكوان في الغيب ، وغيب الغيب ، ثم وصف أرض