يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللهِ هُمْ يَكْفُرُونَ (٧٢) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٧٤) ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ (٧٥) وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُما أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلى مَوْلاهُ أَيْنَما يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٧٦))
قوله تعالى : (وَاللهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) الأرزاق منقسمة على أهل سلوك المعارف ، الأرزاق لبعضهم طاعات ، ولبعضهم إرادات ، ولبعضهم مقامات ، ولبعضهم حالات ، ولبعضهم مكاشفات ، ولبعضهم مشاهدات ، ولبعضهم معرفة ، ولبعضهم محبة ، ولبعضهم توحيد ، ولبعضهم تفريد ، فرزق الأشباح بالحقيقة العبودية ، ورزق الأرواح بالحقيقة رؤية أنوار الربوبية ، ورزق العقول الأفكار ، ورزق القلوب الأذكار ، وكلهم مشفقون على أرزاقهم ، غوثان إلى قوتهم من الحقائق ، عطشان إلى مشاربهم بعد سقيهم بحار القربة والمشاهدة ، لا يطيقون رؤية غيرهم من المريدين أن يكونوا معهم في الشراب والطعم غيرة على أحوالهم.
قال تعالى : (فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ).
قال إبراهيم الخواص : منهم من جعل رزقه في الطلب ، ومنهم من جعل رزقه في القناعة ، ومنهم من جعل رزقه في التوكل ، ومنهم من جعل رزقه في الكفاية ، ومنهم من جعل رزقه في المشاهدة ، كما قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني» (١).
وقال الفضيل : أجل ما رزق الإنسان معرفة تدله على ربه ، وعقله يدله على رشده ، ثم بيّن سبحانه حلاوة ذلك الرزق ، وطيبه ، وطهارته ، بقوله : (وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ) أجل طيبات الرزق مشاهدته ولقاءه ؛ لأنها هي الرزق بالحقيقة الذي يعيش به الأرواح في المعرفة ، والأشباح في العبودية ، والعقول بالتفكر ، والقلوب بالتذكر ، والأسرار بإدراك علم الربوبية ، وذلك الرزق أطيب الطيبات ، وهو بالحقيقة طيب ؛ لأنه قديم أزلي منزه عن علل الحدثان ، وما دونه غير طيب بالحقيقة ؛ لأنه معلول ، والمعلول كيف يكون طيبا وصورة الرزق الطيب ما
__________________
(١) سبق تخريجه.