وشوارق الهواجس ، يأتي عليه رزق المعرفة والمحبة ، وبرد الأنس والمشاهدة من كشف الذات وجميع الصفات رزق أرغد ؛ بحيث لا كدر فيه ولا كدورة عليه من قتام الهجران ، وظلمة الحرمان ، فإذا أراد الحق سبحانه إتمام النعمة عليه ، رفع عنه الخطأ والنسيان ، والظن والحسبان ، حتى لا يشتغل إلا بمراعاة أسراره ، وبمداركة لطائف أنواره ، وإذا أراد به الامتحان وضعوا عليه النسيان ، وأغلق عليه أبواب فتوح المشاهدة حتى يذوق طعم وبال الهجران ، ويسقط في ورطة الحرمان ، ويكون خائفا بعد أن يكون آمنا ، وفائزا بعد أن يكون ساكنا ، بقوله : (فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللهِ فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ).
قال الأستاذ : فراغ القلب عن الشهوات نعمة عظيمة ، إذا كفر عبد هذه النعمة بأن فتح على نفسه باب الهوى ، وأنجز في قياد الشهوات شوّش الله عليه نعمة قلبه ، وسلبه ما كان يجده من صفاء وقته ، فإن طوارق النفس أوجب غروب شوارق القلب.
(ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (١١٩) إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٠) شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٢١) وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٢٢) ثُمَّ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً وَما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣) إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٢٤))
قوله تعالى : (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا) أي : باشروا مراد الهوى بجهلهم على صفات ربهم الأعلى من قهر ولطف ، ثم تابوا من بعد ما رأوا مكائد الشيطان ، وعيوب النفس ، وعرفوا موضع خطأهم ، وندموا على ما فات عنهم من أوقات سنية ، وحالات شريفة ، وأصلحوا ما أفسدوا بالورع التام ، والزهد على الدوام ، والندم على فوت الأيام ، وغفلتهم في المنام ، يوفقهم بالاستقامة في طاعته ، وبقائهم بنعمتها في رعايتها ، لذلك قال : (إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ).
قال سهل : ما عصى الله أحد إلا بجهل ، وربّ جهل أورث علما ، والعلم مفتاح التوبة ، وفي الصلاح صحة التوبة ، من لم يصلح في توبته عن قريب يفسد عليه توبته ؛ لأن الله يقول : (ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا).
قوله تعالى : (إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً) إنّ إبراهيم كان آدم الثاني ،