خلقه الله على رؤية جمال جميع صفاته ، واستيلاء أنوار ذاته في إيجاده على كونه ، فتجلى بقدمه من حيث الذات ، وبالبقاء من حيث الصفات ، ومن الأسماء والنعوت برسم الأفعال لروحه وقلبه وعقله وسره ، فصار موجودا بوجوده ، مشكاة لأنواره ، نورا من تجليه متخلقا بخلقه ، موجودا بلطفه ، مقدسا بقدسه ، خليلا بخلته ، حبيبا بمحبته ، صفيّا باصطفائيته ، ملكا بملكه ، بصيرا ببصره ، سميعا بسمعه ، متكلما بكلامه ، عينا من عيون الحق في العالم ، وشقائقا من منابت لطف آدم ما اجتمع في كل ، اجتمع في وجوده ، مطيعا في عبوديته ، حرّا في حنيفيته ، غير مائل من جمال الحق إلى غيره ، قال تعالى : (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ).
وليس الله بمستنكر |
|
أن يجمع العالم في واحد |
ثم زاد وصفه بمعرفة منعمه ونعمه لاجتبائيبته بخلته ، وتعريفه إياه طريق محبتهن بقوله : (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَهَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ) شاكرا لأنعمه حيث بذل نفسه لأمره ولمراده ، وأسلم نفسه في ذبح ابنه ، والصبر في بلائه ، والرضا بقضائه ، اجتباه في الأزل بالخلة ، وهذا إلى المعرفة ، وكمله بكمال الاستقامة ، والقانت الذي سكن قلبه مع الله في مقام الأنس الحنيف الذي قلبه مربوط بنعت القدس.
قال بعضهم : أمّة أي : معلما للخير ، عاملا به.
وقيل : القانت الذي لا يفتر عن الذكر ، والحنيف الذي لا يشوب شيئا من أعماله بشرك.
وقيل في قوله : (وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) : لم يك يرى المنع والعطاء والضر والنفع إلا من موضع واحد.
قال الواسطي في قوله : (شاكِراً لِأَنْعُمِهِ) : قابلا لقضائه وقسمته قبول رضا لا قبول كراهية.
قال أبو عثمان : الشاكر لنعمه ألا يرى شكره إلا ابتداء نعمة من الله عليه ؛ حيث أهلّه لشكره ، واجتباه من بين خلقه ، وكتب عليه الهداية إلى صراط مستقيم ، عالما أن الهداية سبقت له من الله ابتداء فضل لا باكتساب وجهد وكدّ.
قيل : القنوت القيام بالحق على الدوام والحنيف المستقيم في الدين ، ثم وصف كرامته عليه وشرفه بقوله : (وَآتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ) آتيناه في الدنيا حسنة النبوة ، والرسالة ، والخلة ، والمحبة ، والمعرفة ، وإنّه في الاخرة لمن الشاهدين لقائه أبدا بلا حجاب ، فإنه بوصف ما ذكرنا يصلح لقربه وجواز وصاله أبدا.
قال بعضهم : آتيناه في الدنيا المعرفة حتى صلح في الاخرة لبساط المجاورة.