الاتصاف ، ومن محل الاتصاف إلى محل الاتحاد ، فلم يبق منه شيء من رسوم الحدوثية من استيلاء القدم على الحدث ، فدنا منه ثم تدلى عنه ، ثم فني فيه ، فكان بين فنائه قاب قوسين ، قوس الأزل وقوس الأبد ، فبين القوسين غاب في الغيبة ، فبقي غيبه ، فاستوى أو أدنى فأزال بالغيرة غيب غيبه ، كأنّه كان في فناء الفناء ، والفناء عن فناء الفناء ، فبقي اسمه مع اسم الإشارة بقوله : (سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ) أي : هو مع مكانته في مقام الاتحاد على وصف العبودية ، وسبحان الذي سبحان عن أن يكون محلا للحوادث ، أو امتزجت اللاهوتية بالناسوتية ، قوله سبحانه كان أزليّا سرمديّا ، كان سبحانه قبل إيجاد العبد والتعبد عن القريب والبعيد هو هو بذاته وصفاته له ، لغيره امتنع عن القرب والبعد من جهة الخليقة بحال من الأحوال أبد الابدين ، أسرى من رؤية فعله وآياته إلى رؤية صفاته ، ومن رؤية صفاته إلى رؤية ذاته ، وأشهده مشاهدة جماله فرأى الحق بالحق ، وصار هناك موصوفا بوصف الحق ، فكان صورته روحه ، وروحه عقله ، وعقله قلبه ، وقلبه سره ، فرأى الحق بجميع وجوده ؛ لأن وجوده صار بجميعه عينا من عيون الحق ، فرأى الحق بجميع العيون ، وسمع خطابه بجميع الأسماع ، وعرف الحق بجميع القلوب ؛ حتى فنيت عيونه وأسماعه وقلوبه وأرواحه وعقوله في الحق ، فنظر الحق إلى الحق لأجله نيابة عنه ؛ لأنّ عيون الحدوثية فنيت في عيون الحق ، وعيون الحق رجعت إلى الحق ، فرأى الحق الحق ، وعرف الحق الحق ، وسمع الحق من الحق رحمة منه إليه ، وتلطفا به ؛ لأنه يسمع ويرى.
ألا ترى إلى آخر الاية قوله : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) : سمع كلامه من نفسه ، وأبصر نفسه بنفسه ، كان في الأزل سميعا بصيرا ، لكن ها هنا يسمع ويبصر بسمع عبده وبصر عبده.
قال الواسطي : نزّه نفسه أن يكون لأحد في تسيير نبيه صلىاللهعليهوسلم حركة أو خطوة ، فيكون شريكا في الإسراء والتسرية.
وقال أبو يزيد : نزّهه عما أبدى ، ولا تعرفه بما أخفى.
وقال ابن عطاء : طهّر مكان القربة وموقف الدنو عن أن يكون فيه تأثير لمخلوق بحال ، فسرى بنفسه ، وسرى بروحه ، وسرى بسره ، فلا السر علم ما فيه الروح ، ولا الروح علم ما يشاهده السر ، ولا النفس عندها شيء من خبرهما وما هما فيه ، وكلّ واقف مع حده ، مشاهدا للحق ، متلقفا عنه بلا واسطة ولا بقاء بشرية ، بل تحقق بعبده فحققه وأقامه ؛ حيث لا مقام ، وخاطبه وأوحى إليه ما أوحى جلّ ربنا وتعالى.
وقال : جاء رجل إلى جعفر بن محمد ، وقال : صف لي المعراج. فقال : كيف أصف لك