مقاما لم يسمع فيه جبرائيل مع عظيم محله.
وسبب بداية المعراج الذهاب إلى المسجد الأقصى ؛ لأن هناك الايات الكبرى من بركة أنوار تجليه لأرواح الأنبياء وأشباحهم ، وهناك بقربه طور سيناء ، وطور زيتا ، والمصيصة ، ومقام إبراهيم عليهالسلام وموسى عليهالسلام وعيسى عليهالسلام في تلك الجبال مواضع كشوف الحق لذلك قال : (الَّذِي بارَكْنا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) : علامات شواهد مشاهدتنا ؛ حتى يتعود برؤية شهودنا في الايات ، وليقوى برؤيتها ؛ حتى يطيق أن يرى آيات عظام الملكوت ، وسبب عروجه إلى الملكوت ؛ ليرى جمال الجبروت في أنوارها ؛ لأنه سأل عن الحق رؤية ظهور صفاته في مرآة آياته بقوله : أرنا الأشياء كما هي ، فأراه الحق ما سأل بقوله : (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) : هو يريه وهو قادر بذلك ، وهو منزّه عن الحلول في الايات.
ألا ترى إلى أول الاية كيف قال : (سُبْحانَ الَّذِي) ، والحكمة في ذلك أنه إذا قوي في رؤية الصفات في الملكوت الأعلى والملكوت السفلي يطيق أن يرى صرف ذاته بلا حجاب ، ولا حسبان ، ولا قتام ، ولا ضباب ، ولا علة ، ولا آيات ، ولا شواهد ، بل يراه به لا بشيء ولا بإياه.
قال بعضهم : قال الله : (وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام : ٧٥] ، وقال لمحمد صلىاللهعليهوسلم : (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) ، فغمض عينه عن الايات شغلا منه بالحق ، ولم يلتفت إلى شيء من الايات والكرامات فقيل له : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم : ٤] ، حيث لم يشغلك ما لنا عنا.
ويقال : أرسله الحق سبحانه ليتعلم منه أهل الأرض العبادة ، ثم رقّاه إلى السماء ؛ ليتعلم الملائكة منه أدب العبادة ، قال الله : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) [النجم : ١٧] ما التفت يمينا ، ولا شمالا ما طمع في مقام ، ولا في إكرام ، وتحرز عن كل طلب وإرب.
قال الأستاذ في قوله : (لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا) : كان تعريفا بالايات ، ثم تعريفا بالصفات ، ثم كشفا بالذات.
(ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كانَ عَبْداً شَكُوراً (٣) وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً (٤) فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولاً (٥) ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً (٦))