وقيل : إن عدتم إلى الخطأ عدنا إلى الوفاء ، ثم بيّن سبحانه أن الفراق يعرف العارفين أصوب الطرق وأقومها في مسالكهم إلى الله بقوله سبحانه وتعالى :
(إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) أي : أنّ القرآن يعرف أهله بنوره أصوب الطريق إلى الله ، وتلك الطريقة طريق طاعته التي في سلوكها لسالكيها مقام كشف وصاله وظهور جماله ، وأنه يهدي للطريقة الصائبة في نفسه من حقائقه بأن يرشدهم بظاهره إلى معاني باطنه ، ومن معاني باطنه إلى نور حقيقته ، ومن نور حقيقته إلى أصل الصفة ، ومن الصفة إلى الذات ، فالقرآن أسماء ونعوت وأوصاف وصفات ، يعرف للعارف الصادق عيون الذات والصفات والأسماء والنعوت والأوصاف وهي أقوم الطريقة ؛ لأنّ العوام يسلكون إليه بأوصافهم ، وأهل القرآن يسلكون إليه بصفاته.
إذا نحن أدلجنا وأنت أمامنا |
|
كفى لمطايانا بريّاك هاديا |
ويبشر أهله من الذين يتبعونه بمراد الحق أن لهم أجر المشاهدة وكشفها بلا حجاب أبدا.
قال ابن عطاء : القرآن دليل ، ولا يدال إلا على الحق ، فمن اتبعه قاده إلى الحق ، ومن أعرض عنه قاده الجهل إلى الهلاك.
وقال أبو عثمان في كتابه إلى محمد بن الفضل : من تمسّك بالقرآن وفّق للزوم الاستقامة ؛ لأن الله يقول : (إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ).
(وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً (١١) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً (١٢))
قوله تعالى : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) : من لم يبلغ أعالي درجات القوم لم يعرف مقامات الدعاء ، ومن لم يعرف مقام الدعاء ففي كل وقت يستعمل سوء الأدب ؛ لأنّه في رسوم الصورة يسأل شيئا بجهله ، وهو سبب خطره قرب مراد لا ينجح له المقصود ؛ لأنّه عجول لا يصبر حتى يبلغ ، ويعرف ما يليق بحاله فيسأل.
قال سهل : أسلم الدعوات الذكر وترك الاختيار في السؤال والدعاء ؛ لأنّ في الذكر الكفاية ، وربما يدعو الإنسان ، ويسأل ما فيه هلاكه ، وهو لا يشعر.
ألا ترى الله يقول : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ) والذاكر على الدوام التارك للاختيار في الدعاء والسؤال ، مبذول له أفضل الرغائب ، وساقط عنه آيات السؤال