والاختيار.
قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «يقول الله عزوجل : من شغله ذكري عن مسألتي أعطيه أفضل ما أعطي السائلين» (١).
قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً) : الليل والنهار ها هنا مقام المجاهدة والمشاهدة ، فالمجاهدة ليل العارفين ، والمشاهدة نهار الصدّيقين ، ففي مقام المشاهدة كشف شمس الذات آية نهار المشاهدة ، وكشف قمر الصفات آية ليل المجاهدة ، فأهل المشاهدة في رؤية شموس الذات ، وأهل المجاهدة من الصادقين في رؤية أقمار الصفات ؛ لأنهم في ضعف الأحوال من حمل وارد العظمة ، ولولا غيبة أنوار الذات عنهم لهلكوا في أول سطوتها ، ولو كان إتيان أحدهما كالاخر لهلك العارفون لبقائهم في مشاهدة الذات صرفا على السرمدية ، ولم يصلوا إلى معادن الصفات.
كما قال سبحانه : (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) ، وفضل الحق ها هنا معرفة الصفات ، والعيش في مشاهدة الذات ، والوقوف على مقامات الدنو ، وأوقات الحالات ، بقوله سبحانه : (وَلِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) أي : لتعلموا في محاق أقمار الكواشف ، وزيادة كمالها بفيض نور الأولية والأخروية أعداد زمان الوصال والفراق ، وحساب المقامات والحالات ، وتقعوا في دور أدهار الأزال والاباد ، وتعرفوا منازل سيارات الأرواح وحركاتها في أبراج أفلاك الوحدانية والفردانية بقوله : (وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْناهُ تَفْصِيلاً) ، وها هنا منازل انقطعت الأوهام في مداركها ، وذهب الحسبان عند شوارق أنوارها ، وانصرمت العقول عن تقلب أسرارها ، وفنيت القلوب في حقائق أنوارها ، كان لسان القدر ينطق بنطق الأبد على لسان عندليب سكران موردات ورد العشق شطاح فارس روزبهان البقلي ، هذه الأسرار المباركة الممتنعة عرائسها بحجب الغيرة عن غيره أو غير مثله.
واستشهد ببيت النوري في هذا المعنى :
لا زلت أنزل من ودادك منزلا |
|
يتحير الألباب عند نزوله |
قال بعضهم : جعلنا الليل والنهار ظرفين لإقامة العبودية ، جعل أحدهم خلفا عن الاخر وخليفة عنه ، فمن أنفق أوقاته في أناء ليله بما هو مستعبد به فهو زمرة الموفقين ، ومن أمهل ساعاته ولم يطالب نفسه ، ولم يراع أوقاته مع كل خاطر أو نفس فإنه من المخذولين.
قال الله : (لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ) في تصحيح العبودية وإخلاص العمل والمعونة
__________________
(١) رواه البخاري في «خلق أفعال العباد» (١ / ١٠٩).