على ذلك من الله عزوجل.
ثم إنّ الله سبحانه أخبر عن سوابق أحوال الواردين إلى مناهل العبودية والربوبية بقوله : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) ، اختار بعضا في الأزل بالإرادات ، واختار بعضا بالمعاملات ، وبعضا بالحالات ، وبعضا بالمشاهدات ، وبعضا بالمكاشفات ، وبعضا بالمعرفة ، وبعضا بالمحبة ، وبعضا بالشوق ، وبعضا بالرغائب ، وبعضا بالعزائم ، وفي كل مقام طائر أحد من السالكين وسمته ألزمته نعوت الربوبية على عنق العبودية ، يخرج من مربع عهد الأزل بهذه السمات ، ويخرج إلى معاهد الأبد لا يتغير بتلون الملون ، ولا بظهور الايات والبرهان ، ولا بطوارق الطاعات والعصيان.
(وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً (١٣) اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤) مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (١٥) وَإِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً (١٦) وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (١٧))
قال تعالى : (وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً) ، فما بدت للأرواح من معالم الرد والقبول بيد ، ولصاحبه غدا في الحضرة ، فيرى أوله موافقا للاخر والاخر للأول لا ينقص السوابق من الأواخر ، ولا ترتد الأواخر على السوابق.
قال تعالى : (اقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً) هذا مقام الستر والغيرة على أحبائه ؛ حتى لا يطلع عليهم الأغيار من الملائكة والجن والإنس ، بل هو من مقامات النجوى وسرائرات تخفى ، وحقائقات البلوى ، وعجائبات الشكوى.
قال النصر آبادي : ألزمت نفسك أحوالا ، وألزمت أحوالا ، وما ألزمته أشد مما ألزمت نفسك.
قال الله تعالى : (وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ) من سعادة وشقاوة ، ومنهم من ألزم الصبر على مقام المشاهدة ، ومنهم من ألزم التمسك بالأدب على بساط القرب ، وهذا أشد وأشد.
قال بعضهم : كتابا تكتبه على نفسك في أيامك وساعاتك ، وكتاب يكتب عليك في الأزل ، ولا يخالف هذا ذاك ولا ذاك هذا.