قال الأستاذ : ما تحب الضمائر يلوح على السرائر ، فمن صفا عن الكدورة جوهره لا يفوح منها إلا نشر مناقبه ، ومن طبع على الكدورة طينته فلا يعبق بمن يحوم حوله إلا ريح مسالبه.
يقال : حب الغبيراء لا ينبت غصن العود.
(وَإِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ) بنعمة ظاهرة (أَعْرَضَ) ؛ لوقوفه مع النفس والبدن ، وكون القوى البدنية متناهية ، لا تتدبر الأمور الغير المتناهية الممكنة الوقوع من سبب النعمة ، وردها عند عدمها وسائر الغير ، ولا يرى إلا العاجل وتكبره لاستعلاء نفسه على القلب وظهوره بأنانيته وتفر عنه.
(وَنَأى) أي : بعد عن الحق في جانب النفس ، وطوى جنبه معرضا ، وكذا في جانب الشر إذا يئس ؛ لا حتجابه عن القادر قدرته ، ولو نظر بعين البصيرة شاهد قدرة الله تعالى في كلتا الحالتين ، ويتيقن في الحالة الأولى أن الشكر رباط النعم ، وفي الثانية أن الصبر دفاع النقم فشكر وصبر ، وعلم أن المنعم قدر فلم يعرض عند النعمة بطرا وشرّا خائفا زوالها غير غافل عن المنعم ، ولم ييأس عند النقمة جزعا وضجرا راجيا كشفها مراعيا لجانب المبلى.
(قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ) أي : خليقته وملكته الغالبة عليه من مقامه ، فمن كان مقامه النفس ، وشاكلته مقتضى طباعها عمل ما ذكرنا من الأعراض واليأس ، ومن كان مقامه القلب ، وشاكلته السجية الفاضلة عمل بمقتضاها الشكر والصبر.
(فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدى سَبِيلاً) : من العاملين ، عامل الخير مقتضى سخية القلب ، وعامل الشر بمقتضى طبيعة النفس فيجازهما بحسب أعمالهما.
(وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (٨٥) وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنا وَكِيلاً (٨٦) إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَهُ كانَ عَلَيْكَ كَبِيراً (٨٧) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً (٨٨) وَلَقَدْ صَرَّفْنا لِلنَّاسِ فِي هذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُوراً (٨٩) وَقالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً (٩٠) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً (٩١) أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (٩٢) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقى فِي السَّماءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلاَّ بَشَراً رَسُولاً (٩٣) وَما