مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى إِلاَّ أَنْ قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً (٩٤) قُلْ لَوْ كانَ فِي الْأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ مَلَكاً رَسُولاً (٩٥) قُلْ كَفى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٩٦) وَمَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً (٩٧) ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَقالُوا أَإِذا كُنَّا عِظاماً وَرُفاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً (٩٨) أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ قادِرٌ عَلى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلاَّ كُفُوراً (٩٩))
قوله تعالى : (وَيَسْئَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ) إنّ الله سبحانه أبهم علم الروح في ظاهر رسوم العلم ، وبيّنها لأهل المكاشفة من الأنبياء والأولياء ، بأنه أراهم الروح بأوصافها في المكاشفة ، وذلك سره عندهم ، وهم يكتمونه لقلة إدراك أفهام الخلق ، ولا يعلمون ماهية وجودها وكيفية خلقها قط ، لأن الله قال : (قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) ، ولا يطّلع على ماهيتها إلا صانعها ، وكيف يعلم الخلق ماهيتها وهي كانت معدومة ، كوّنها الحق سبحانه بعد أن ظهر صفاته وذاته بنعت التجلي والكشف عيانا بلا حجاب العدم ، فأوجد الروح بقدرته القائمة ، وإرادته الأزلية حين شاهد الصفات الذات ، وشاهد الذات الصفات ، وشاهد كل صفة كل صفة ، وشاهد الصفات الفعل ، وشاهد الفعل العدم ، فباشر الموجود المعدوم ، فظهر الروح من تحت مباشرة القدم العدم ، موجودة بوجود الذات والصفات ، وشهودها بنعت الظهور ، كاملة جامعة متخلقة بخلق الحق ، متصفة بصفاته ، فبلغت إلى محل يحيي بفيض مباشرة فعله جميع الكون ، ففي كل موضع يقع عكسه يحيى بحياة تامة كاملة لا موت فيها ، ومن خاصتها أنها تميل إلى كل حسن ومستحسن وكل صوت طيب ، وكل رائحة طيبة لحسن جوهرها وروح وجودها ، ظاهرها غيب الله ، وباطنها سر الله ، مصورة بصورة آدم ، وخلق الله آدم على صورتها ، فإذا أراد الله خلق آدم أحضر روحه فصوّر صورته بصورة الروح ؛ لذلك قال عليهالسلام إشارة وإبهاما : «خلق الله آدم على صورته» (١) ؛ لذلك قال : على صورته ؛ لأن الروح مؤنثة سماعية.
__________________
(١) تقدم تخريجه.