قال بعضهم : الروح شعاع الحقيقة ، تختلف آثارها في الأجساد.
وقال بعضهم : الروح لطيفة تسري من الله عزوجل إلى أماكن معروفة ، لا يعبر عنه بأكثر من موجودها بإيجاد غيره.
وقال الواسطي : لما خلق الله أرواح الأكابر ردّها بمعرفته بها ، فأسقط عنها معرفتها به ، وأسدى إليها علمه بها ، فأسقط عنها ما علمت منه ، فمعرفتها معرفة الحق إياها ، وعلمها علم الحق بها ، فصورها بوده إياها على محابها.
قيل : الروح لم تخرج من الكون ؛ لأنها لو أخرجت من الكون لكان عليها الذل ، فقيل : من أي شيء أخرجت؟ من بين جماله وقدس جلاله بملاحظة الإشارة ، وغشاها بجماله ورداها بحسنه ، واستمالها بسلامه ، وحياها بكلامه ، فهي معتقة من ذل (كُنْ) [الأنعام :
٧٣].
وسئل أبو سعيد الخرّاز : عن الروح مخلوقة هي؟ قال : نعم ، ولولا ذاك لما أقرّت بالربوبية حين قالت : بلى ، والروح هي التي أوقعت على البدن اسم الحياة ، وبالروح ثبت العقل ، وبالروح قامت الحجة ، ولو لم يكن الروح كان العقل متعطلا لا حجة عليه ولا له.
سئل الواسطي عن الأرواح : أين كان مكانها حين أظهرها؟ فقال : إنّ الأرواح خلقها وقبضها قبل الأجساد ، أين كانت صار ما عاين عيانا ؛ لأنّ الدنيا والاخرة عند الأرواح سواء.
(قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً (١٠٠) وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى تِسْعَ آياتٍ بَيِّناتٍ فَسْئَلْ بَنِي إِسْرائِيلَ إِذْ جاءَهُمْ فَقالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يا مُوسى مَسْحُوراً (١٠١) قالَ لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ بَصائِرَ وَإِنِّي لَأَظُنُّكَ يا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً (١٠٢) فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَمَنْ مَعَهُ جَمِيعاً (١٠٣) وَقُلْنا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائِيلَ اسْكُنُوا الْأَرْضَ فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ جِئْنا بِكُمْ لَفِيفاً (١٠٤))
قوله تعالى : (قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفاقِ وَكانَ الْإِنْسانُ قَتُوراً) أخبر سبحانه عن سجية النفس الأمارة الإنسانية أنها خلقت بخيلة حريصة على الدنيا ، وجمعها ومنعها لعميها عن رؤية الاخرة وبقائها ، وعن معرفة الدنيا وفنائها ، وهذه النفس إذا قورنت بالروح الصادقة العاشقة ، والعقل القدسي ، والقلب الملكوتي ، والسر الجبروتي تذوب عن خلقها وتزول عن بخلها ، وصارت ساكنة عن الحرص ، سخية بالبذل ، وهذه نفس الأولياء ، ونفس الأنبياء خلقت سخية غير حريصة ، ونفس العامة