إعدادات
تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن [ ج ٢ ]
تفسير عرائس البيان في حقائق القرآن [ ج ٢ ]
المؤلف :أبي محمّد صدر الدين روزبهان بن أبي نصر البقلي
الموضوع :القرآن وعلومه
الناشر :دار الكتب العلميّة
الصفحات :574
تحمیل
والتمكين.
(وَنَذِيراً) لمن تقاعد عن أمره ، ولم يعرف مكانه.
(وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْناهُ) أي : ما أنزلنا القرآن إلا بعد زوال بشرية النبي صلىاللهعليهوسلم بالكلية في مقام الفناء ، وانتفاء الحدثان عن وجه القدم ، وانقشاع ظلمة الإمكان عن سبحات الوجه الواجب الباقي بالفرق الثاني ؛ ليكون له محل وجودي ، فما كان إنزاله إلا ظهور أحكام التفاصيل من عين الجمع وجدوه مطابقا لما اعتقدوه ، فإن الاعتقاد والحق لا يكون إلا واحدا.
قال جعفر رضي الله عنه : الحق أنزل على قلوب خواصه من مكنون فوائده ، وعجائب بره ، ولطائف صنعه ، ما نوّر بهم أسرارهم ، وطهّر بها قلوبهم ، وزيّن بها جوارحهم ، وبالحق نزل عليهم هذه اللطائف.
وقال ابن عطاء : مبشرا لمن أقبل عليك ، ونذيرا لمن أعرض عنك.
(قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً (١٠٨) وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً (١٠٩))
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) أراد ب (أُوتُوا الْعِلْمَ) أوتوا المعرفة ، وأوتوا الأرواح الناطقة بالحق العارفة بالحق ، العالمة على الحق ، في بدء أمرها قبل الكون ، ومن قبل ظهور الشرائع والعبودية ، سامعة للحق من الحق بلا واسطة ولا حجاب ، (إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ) بعد كونهم في الأشباح تكون معرجة من محبة الله ، متحركة بشوق الله ، مستروحة بلذة خطاب الله ، عارفة بمراده ، خاضعة لأمره ، إذا سمعوا كلام الحق استلذوا محبته في قلوبهم ، فيهيجهم إلى بذل الوجود والخضوع بين يدي جبروته ، فلا حيلة لهم إلا وضع وجوههم على التراب خنوعا لجبروته ، ومعرفة بعظم ملكوته ، ويذكرون الله وينزهونه ويقدسونه عن الأضداد والأنداد ، وعن الشرك والشريك في ملك ربوبيته ، وذلك قوله : (وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا).
ثم زاد في وصفهم بالخوف عنه وإجلال جلاله بنعت البكاء والخشية بقوله : (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) بكاؤهم من شوقه إلى جماله ، وحبّا للقائه ، وتعظيما لعظمته ، ما أطيب هذا البكاء ، وما ألذّ هذا الخشوع ، بكاؤهم منه عليه ، يبكون من الفقدان في الوجدان ، ومن الوجدان في الفقدان ، ومن الحضور في الغيبة ، ومن الغيبة إلى الحضور ، والسرور بالشهود ، وحسن الإقبال عليه ، وخوف إعراضه عنهم.