لعبادة أي : احمدوا الله الذي عرف عبده الكلام الأزلي بعد أن وهبه استعداد سماع كلامه ، وقبول وحيه قوة رؤيته من يعبر عنه بلسان غير معوج ، وغير مفهوم ولو أنزل عليهم باللسان الأزلي من يفهم ذلك من العرش إلى الثرى إلا متصف بصفاته ، فالحمد وجب على الجمهور ؛ حيث شاهدوا بصفاته وكلامه على عبده ، وأنطقه بمراده من كتابه.
قال ابن عطاء : أضاف الكل بالكلية إلى نفسه ، وقال على عبده أي : على عبده المخلص ، وحقيقة العبد الذي لا ملك له.
وقال أيضا : الكتاب منشور ظاهر فيه أسرار باطنه.
(عِوَجاً) أي : زيغا وميلا إلى الغير ، كما قال : (ما زاغَ الْبَصَرُ وَما طَغى) [النجم : ١٧] أي : لم ير الغير في شهوده.
(قَيِّماً) اجعله قيما يعني : مستقيما كما أمر بقوله : (فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَمَنْ تابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [هود : ١١٢]
والمعنى : جعله موحدا فانيا فيه غير محتجب في شهوده بالغير ولا بنفسه ، لكونها غير أيضا ممكنا مستقيما حال البقاء.
كما قال : (إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) [فصلت : ٣٠].
أو جعله قيما بأمر العباد وهدايتهم إذ التكميل يترتب على الكمال ؛ لأنه صلىاللهعليهوسلم لما فرغ من تقويم نفسه وتزكيتها أقيمت نفوس أمته مقام نفسه ، فأمر بتقويمها وتزكيتها ، ولهذا المعنى سمي إبراهيم ـ صلوات الله عليه ـ أمة.
وهذه القيمة أي : القيمة بهداية الناس داخلة في الاستقامة المأمور هو بها في الحقيقة ؛ (لِيُنْذِرَ) متعلق بعامل قيما أي : له قيما بأمر العباد ؛ لينذر (بَأْساً شَدِيداً) وحذف المفعول الأول للتعميم ؛ لأن أحدا لا يخلو من بأس مؤمن كان أو كافر.
كما قال تعالى : «أنذر الصديقين بأني غيور ، وبشّر المذنبين بأني غفور» (١) ، إذ البأس عبارة عن قهره ، ولذلك عظمه بالتنكير أي : بأسا يليق بعظمته وعزته ووصفه بالشدة ، وخصصه بقوله : (مِنْ لَدُنْهُ) والقهر قسمان : قهر محض ظاهره وباطنه قهر كالمختص بالمحجوبين بالشرك ، وقسم ظاهره قهر وباطنه لطف وكذا اللطف.
كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه : سبحان من اشتدت نقمته على أعدائه في سعة نعمته ،
__________________
(١) لم أقف عليه هكذا ، وقد ثبت في أحاديث عدة بنحوه.