واتسعت رحمته لأوليائه في شدة نقمته ، ومن القسم الثاني : القهر المخصوص بالموحدين من أهل الفناء أطلق الإنذار لكل تنبيها ثم فصل اللطف والقهر مقيدين بحسب الصفات والاستحقاقات.
فقال : (وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ) أي : الموحدين لكونهم في مقابلة المشركين الذين قالوا :
اتخذا الله ولدا ، (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ) أي : الباقيات من الخيرات والفضائل ؛ لأن الأجر الحسن : هو من جنة الاثار والأفعال التي تستحق بالأعمال.
واعلم أن الإنذار والتبشير اللذين هما من باب التكميل اللازم ؛ لكونه قيما عليهم كلاهما أثر ونتيجة عن صفتي القهر واللطف الإلهيين اللذين محل استعداد قبولهما من نفس العبد الغضب والشهوة ، فإن العبد ما استعد لقبولهما إلا بصفتي : الغضب والشهوة وفنائهما ، كما لم يستعد لفضيلتي الشجاعة والعفة إلا بوجودهما ، فلما انتفتا قامتا مقامهما ؛ لأن كلّا منهما ظل لواحدة من بينك يزول بحصولها ، فعند ارتواء القلب منهما ، وكمال التخلق بهما حدث عن القهر الإنذار عند استحقاقية المحل بالكفر والشرك ، وعن اللطف التبشير باستحقاقية الإيمان والعمل الصالح ؛ إذ الإفاضة لا تكون إلا عند استحقاق المحل.
قوله تعالى : (الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً) العمل الصالح : التبري من الوجود بوجود الحق ، والأجر الحسن مشاهدة الحق بلا حجاب أبدا.
قال بعضهم : العمل الصالح ما أريد به وجه الله لا غير ، والأجر الحسن لا يحجب عن لقاء سيده تعالى : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) ومن لم يجد مقام مشاهدته ، ولم يعرف ذاته وصفاته بنعت رؤيته وخطابه ، ويشير إليه بكلمة المعرفة فقد عظم ذلك عند الله ؛ لأنه افترى على الله كذبا يا ليت لو خلص من عاينه ، وأخبر عنه من هذه الورطة ؛ لأن من عاينه وأخبر عنه ، فقد أخبر عن غيره ، وخبره وقع موقع تلك الكلمة التي كبرت ، تخرج من أفواههم ؛ ألا ترى إلى تمام الاية : كيف شكا عن الكل فقال : (إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً) ، ولذلك قال الواسطي : من ذكر افترى.
وقال ابن عطاء : أكبر الدعاوى من ادعى في الله ، وأشار إلى الله ، أو يكلم عن الله أو دخل في ميادين الانبساط ، فإن ذلك كله من صفات الكذابين.
قال الله : (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) ولتحقق به لا يظهر شيئا من أحوال بحال.
وقال الأستاذ : من تكلم بهذا اللسان قبل أوانه فقد دخل في غمار هؤلاء.