(ما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ) أي : ما لهم بهذا القول من علم بل إنما يصدر عن جهل مفرط وتقليد للاباء لا عن علم ويقين ويؤيده قوله : (كَبُرَتْ كَلِمَةً) أي : ما أكبرها كلمة (تَخْرُجُ مِنْ أَفْواهِهِمْ) ليس في قلوبهم من معناه شيء ؛ لأنه مستحيل بالقرآن ، استشعر ببقية من نفسه وتوجس بنقصان حالة فعلاه الوجد ، وعزم على قهر النفس بالكلية طلبا للغاية ، وكان ذلك من فرط شفقته عليهم ، وكمال أدبه مع الله حيث أحال عدم إيمانهم على ضعف حاله على عدم استعدادهم ؛ ولذلك سلاه بقوله : (إِنَّا جَعَلْنا) أي : لا تحزن عليهم فإنه لا عليك أن يهلكوا جميعا إنا نخرج جميع الأسباب من العدم إلى الوجود للابتلاء ، ثم نفنيها ولا حيف ولا نقص ، أو إنا جعلنا من على أرض البدن من النفس ولذاتها وشهواتها وقوى صفاتها وإدراكاتها ودواعيها (زِينَةً لَها) ؛ ليظهر أيهم أقهر لها وأعصى لهواها في رضاي ، وأقدر على مخالفتها لموافقتي.
(فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً (٦) إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً (٧) وَإِنَّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً (٨) أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً (٩) إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقالُوا رَبَّنا آتِنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنا مِنْ أَمْرِنا رَشَداً (١٠) فَضَرَبْنا عَلَى آذانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً (١١) ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً (١٢))
قوله تعالى : (فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ) أخبر سبحانه عن محبة حبيبه نظام طريق محبته وعبودية عباده له ، وشدة حرصه واهتمامه على الخلق ، ومن غلبه ذلك غاص في بحر الأولية ، وسابق العناية لطلب فسخ إبرام القدر المقدر لا بنفسه ، وذلك من علمه بتنزيه جلاله ؛ حتى لو أراد أن يبدل جميع أقداره لقدر ، ولو يغفر لجميع الكفار لقدر ، ولا نقص على برهانه وسلطانه ، فأعلمه الحق أن هذا رسم أسرار الربوبية ، ولا تقدر أن تهتك تلك الأسرار ؛ لأنه غيور على سره وغيبه.
قال بعضهم : لا تشغل سرك بمخالفتهم فما عليك إلا البلاغ ، والهدى منا لمن نشاء.
قوله تعالى : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها) إن الله سبحانه جعل في الأرض آيات السفلية من كل ما أظهر فيها من : الأنهار والأشجار والجبال والبحار والمعادن والنبات والرياحين ، وألبسها قميص أنوار صفاته ، وجعلها مرآة للعارفين ؛ لينظروا فيها ، ويرون فيها أنوار جلاله وجماله ، وأي زينة لها أعظم من نور بهائه وضياء صنائعه ، ويمتحن بذلك