وما أشد ذلك لا سيّما إذا كانت بغتة على غير رقبة في أزمنة السليمة :
فتنبّأ بخير والدّنا مطمئنّة |
|
وأصبحت يوما والزمان تقلّبا |
كانوا في زمان العهود على رجاء الوصول ، فجازتهم طوارق الغيرة ، وأسقطتهم عن نيل المنية ، وكأن سراج الوصل أزهر بيننا ، فبهت به ريح من البين فانطفأ.
ثمّ أنّ الله سبحانه رأى نقض عهودهم بعد أن أمهلهم في زمان يمكن تدارك ما أفاقوا ، وذلك ما قال : (فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) (١).
وأشفع عليهم بنقض العهد بين جمهور الخلائق ، بقوله : (وَأَذانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ) : عرف عباده يوم عيد الأكبر يعني : يوم كانت الأرض والسماء واحدا ، بل العرش والكرسي والأرض سواء لكشوف جلاله لنبيّه وأوليائه.
قال عليهالسلام : «إذا كان يوم عرفة إن الله تبارك وتعالى ينزل إلى السماء الدنيا فيباهي بهم الملائكة ...» (٢).
بأنه تعالى برئ من المشركين المحجوبين بهواهم عن الله ورسوله ، برئ منهم ؛ لأنّ الحبيب يوافق حبيبه في كل مراده ، وهكذا يقتضي غيرة التوحيد.
قال ابن عطاء : كلّ من أشرك مع الله فيما لله غير الله فهو منه بريء ، ثم من كرمه ورحمته ما أخرجهم عن مربع الرجاء بالكلّية ، وما قطع حبال الوصال بالجملة حين استتابهم بقوله : (فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) أي : إن رجعتم من حظوظ أنفسكم من الدنيا إلى حظوظ قلوبكم من مشاهدتي ، فهو خير لكم ، فإنّ الخير كلّ الخير في وصالي وقربتي.
و «التوبة» عند أهل الإشارة : ذهاب الحدثان على الجنان عند مشاهدة قدم الرحمن.
قال أبو عثمان : التوبة مفتاح كلّ خير (فَإِنْ تُبْتُمْ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ).
(كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْواهِهِمْ وَتَأْبى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فاسِقُونَ (٨) اشْتَرَوْا بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٩) لا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلا ذِمَّةً وَأُولئِكَ هُمُ
__________________
(١) إشارة إلى أن للنفوس في أرض البشرية سيرا وسياحة لتكميل الأوصاف الأربعة من النباتية والحيوانية والشيطانية والإنسانية التي تتولد بازدواج الروح العلوى الروحاني المفرد والقالب السفلى المركب من العناصر الأربعة. فالنباتية تولد الماء. والحيوانية تولد الريح. والشيطانية تولد النار. والإنسانية تولد التراب فلتكتمل هذه الصفات أرخيت أزمة النفوس في مراتع الدنيا ونعيمها إلى البلاغة. تفسير حقي (٤ / ٤٨١).
(٢) رواه ابن خزيمة في صحيحه (٤ / ٢٦٣).