من مروق زلفته بكأس روحه ، فكان عيشه مع الحق من حيث الأنس والانبساط والبسط والجمال ، وكان خطابه خطاب تكرمة ومكرمة عاش في مشاهدة جماله ونيل وصاله ، كان عندليب رياض الأنس ، وبلبل بساتين القدس رأى الحق بعين الجمال في مرآة الجلال ، ورآه بعين الجلال في مرآة الجمال ، محفوظا عن طوارق قهريات القدم ، وسطوات عظمة الأزل ، حاله أصفى من كدورة عيش الخائفين ، وغبار أيام المجاهدين ، ما وقع على سره قهر الغيرة ، وما جرى على روحه سيول الفرقة ، كان مرادا معشوقا حبيبا محبوبا موصولا بالوصال معروفا بالجمال كان من لطافته ألطف من نور العرش والكرسي ، وطيبه كان أطيب من طيب الفردوس شمال جماله يهب على رياض وصال الأزل وحياة جنانه منزه عن قهر أيدي الأجل لو رأى بالمثل نملة ملتبسة بنور هيبة فعل الحق لفزع منها من حسنه ولطافته ؛ لذلك قال تعالى : (لَوِ اطَّلَعْتَ) يا حبيبي من حيث أنت على ما ألبستهم لباس قهر ربوبيتي وسطوات عظمتي ، لوليت منهم من رؤية ما عليهم من هيبتي وعظمتي ، (وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْباً) ؛ لأنهم مرآة عظمتي تجلى منهم بنعت عظمتي للعالمين ؛ لئلا يقربوا منهم ، ويطلعوا عليهم ؛ لأنهم في عين غيرتي ، ولا أريد أن يطلع عليهم أحد غيري أنت يا حبيبي موضع سرى ، وموضع سر سري ، ومكان لطفي لو رأيتهم بذلك اللباس السلطاني الجباري ؛ لفررت منهم ، وتملأ من رؤيتهم رعبا ، كما فرّ موسى كليمي من رؤية عصاه حين قلبتها حية تسعى ، وذلك من إلباسي إياها كسوة عظمتي وجلال هيبتي ، ففر موسى من عظمتنا ، ولم يعلم من أي شيء فر ولا نقص عليك ، فإنك وإن كنت مربى برؤية الحسن والجمال منا ، فجميع صفات العظمة ونعوت الكبرياء ، انكشفت لك في لباس الحسن والجمال ، وأنت جامع الجمع.
قال جعفر : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ) من حيث أنت لوليت منهم فرارا ، ولو اطلعت عليهم من حيث الحق لشاهدت فيهم معاني الوحدانية والربانية.
قال ابن عطاء : لأنه وردت عليهم أنوار الحق من فنون الخلع ، وأظلتهم سرادق التعظيم ، وأحرقت جلابيب الهيبة ؛ لذلك قال الله لنبيه صلىاللهعليهوسلم : (لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِراراً).
وقال الحسين : لوليت منهم فرار أنفه مما هم فيه من إظهار الأحوال عليهم ، وقهر الأحوال لهم مع ما شاهدته من أعظم المحل في القربات في المشاهدة ، فلم يؤثر عليك بجلالة محلك.
وقال جعفر : لو اطلعت على ما بهم من آيات قدرتنا ورعايتنا لهم وتولية حفظتهم ، لوليت منهم فرارا أي : ما قدرت على مشاهدة ما بهم من هيبتنا ، فيكون حقيقة الفرار منا لا