أرواحهم ، وفنيت قلوبهم واستهلكت نفوسهم ، ولكن ما أطيب زمان السكر للمريدين ، والمحبين ، والشائقين ، والعاشقين أخذهم سكر الوصال عن المقيل والقال ، وعن الاشتغال والمحال ، وغيبهم في أنوار الجمال والجلال ؛ حتى لم يحسوا شيئا من الحدثان من ذوق وصال الرحمن ، ما أطيب تلك الأوقات السرمدية ، والأحوال المقدسة بحيث ما لهم خبر عن مرور الزمان ، وحوادث الملوان.
شهور ينقضين وما شعرنا |
|
بإنصاف لهم ولا شرار |
ما أقل زمان الوصال لعشاق الجمال والدهر عندهم في المشاهدة ساعة ، وإعمار العاملين في منازل أنسهم لمحة.
وأنشد :
صباحك سكر والمساء خمار |
|
نعمت وأيّام السّرور قصار |
زمان القربة قليل وزمان الفرقة طويل ، وذلك من غيرة العشق المجران في كمين الغيرة مقيم وملدوغ الفراق من سم أفاعي الغيرة سليم ، لا يصير الدهر ؛ حتى يفرق بين العاشقين والمعشوقين ، وأنشد :
عجبت بسعي الدّهر بيني وبينها |
|
فلما انقضى ما بيننا سكر الدّهر |
كانوا لا يعرفون اليوم من الأمس ، ولا يعلمون من حدة الحال القمر من الشمس : (قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ).
استقاموا مقام الوصال واستلذوا لطائف الجمال وتخبطوا في المقال ، وما كان ذلك إلا من خمار سكر الأحوال ذكروا أيام الوصلة في مقام الفرقة ، وتعاظموا لطائف المؤانسة في منازل الوحشة ، واشتاقوا إلى معاهد المشاهدة ، وأيام المدانة.
وأنشدوا :
سلام على تلك المعاهد إنّها |
|
شريعة ورد أو مهب بشمال |
ليالي لم تحصر حرون قطيعة |
|
ولم يمش إلّا في سهول وصال |
فقد مرّت أرضى من سواكن أرضها |
|
تجلب ببرق وبطيف خيال |
قال ابن عطاء : مقام المحب مع الحبيب ، وإن طال فإنه قصير عنده إذ لا يقضي من حبيبه وطرا ، ولو مكث معه دوام الدهر ، فإن انتهاء شوقه إليه ؛ كالابتداء ، فانتهاؤه فيه ابتداء ، فلما رجعوا من مقام الجذب إلى مقام السلوك ، ومن مقام الروحانية إلى مقام البشرية ، واحتاجوا إلى ما يعيش به الإنسان ، استعملوا حقائق الطريقة بقوله سبحانه :
(فَابْعَثُوا أَحَدَكُمْ بِوَرِقِكُمْ هذِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ فَلْيَنْظُرْ أَيُّها أَزْكى طَعاماً) لما