سبحانه وصف الذين عملهم الصالح ، ترك ما دونه وهو بكرمه ورحمته يجازيهم به قربته ومشاهدته ، ويدخلهم قباب أنسه رياض قدسه ، وإلباسه إياهم أنوار جمال وجلاله فيكونون مزينين بحلي كرامته ، ولباس رأفته مستندين به إليه بنعت رؤية الرضوان الأكبر ، والحظ الأوفر نعم الثواب صلته ، ونعم حسن المرتفق مرتفقهم مجالس الوصال ورؤية الكمال والجلال والجمال.
قال ابن عطاء : على آرائك الأنس في رياض القدس في حجاب القرب وميادين الرحمة مستشرفون على بساتين الوصلة مشاهدون مليكهم في كل حال.
قال الأستاذ : يلبسون حلل الوصلة ، ويتوجون بتاج القربة ، ويحلون بحلي المباسطة يتكئون على أرائك الروح يشمون رياحين الأنس ، ويقيمون في حجال الزلفة ، يسقون شراب المحبة.
قوله تعالى : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) أخبر عن كمال حفظه أوليائه يوم القيامة عن التحير فيه ، فإذا يحفظهم عن قهر سلطان ربوبيته ، ويدخلهم في منازل وصلته فتلك الولاية الحقة له التي خص بها في الأزل أهل وداده وهى أرفع المنازل ، وأشرف المناهل ، وأحسن العواقب ، وأكرم المناقب ، والولاية الحق في الدنيا والاخرة هي ما صدرت من اختياره الأزلي وإرادته القديمة ، وحقيقتها ألا يخذل من اصطفاه بها.
قال الواسطي : من تولاه الله بالحقيقة فهو الولي ، ومن تولاه الله فيه فهو الوالي.
قال ابن عطاء : الحق أسبق من حقيقة المحق ، وهو يدعوك إلى حقه فإذا طلبته لنفسك يأتي عليك.
ألا ترى إلى قوله : (هُنالِكَ الْوَلايَةُ لِلَّهِ الْحَقِ) هو خير ثوابا وخير عقبا ثواب للطالبين له لا لطالب الجنة ، وخير أمد للمريدين.
قوله تعالى : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَواباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) معناه : المحبة الدائمة غير مشوب بشوب الحدثان ، ولا بغبار الحرمان.
وأيضا : المعرفة الكاملة التي صدرت من رؤية ذاته وصفاته في قلوب العارفين.
وأيضا : الأنس بالله والإخلاص في توحيد الله ، والانفراد بالله عن غير الله ، وهذه المنازل باقية للعارفين ، وهي صالحة لا اعوجاج لها على حد الزائد ، وهى خير المنازل ؛ لأنها وصف بقاء العارف مع بقاء الحق.
قال جعفر الصادق : (وَالْباقِياتُ الصَّالِحاتُ) هو تفريد التوحيد فإنه باق ببقاء الموحد.