وقال ابن عطاء : هي الأعمال الخالصة والنيات الصادقة ، وكل ما أريد به وجه الله.
وقال يحيى بن معاذ : هي نصيحة الخلق.
ويقال : ما يلوح في السرائر من تجليه للعبد بالنعوت ، ويفرح نشره في سماع الملكوت ، ثم أخبر سبحانه عن عظيم قدره ، وجلال وعظم كبريائه ، وسلطانه تخويفا لعبادة ، وتبنيها لهم عن عظيم آياته بقوله : (وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَتَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً) إن الله سبحانه يتجلى بعظمته يوم القيامة للجبال فتقلع الجبال من أصلها ، وترقص في الهواء ، وتصدم بعضها بعضا ؛ حتى تمهل وتصير غبارا من خشية الله وهيبته ، وبقيت الأرض باردة ؛ حتى لا يكون حجاب بين أحد من الواقفين عليها.
(وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ) أي : نذهب جبال الأعضاء بالتفتيت فتجعلها هباء منثورا.
قال ابن عطاء : دل بهذا على إظهار جبروته ، وتمام قدرته ، وعظم عزته ليتأهب العبد ؛ لذلك الموقف ويصلح سريرته وعلانيته لخطاب ذلك المشهد وجوابه.
قال الأستاذ : موت الأبدال الذين هم الأوتاد ، ومنهم القطب فجبال الأرض التي هي أوتادها لتقلع في القيامة ، وتسير جبال الأرض اليوم بموت السادة إذ هم الأوتاد للعالم بالحقيقة.
(وَتَرَى) أرض البدن (بارِزَةً) لا ظاهرة مستوية مسطحة بسيطة ، كما كانت لا صورة عليها ، ولا تركيب فيها ترابا خالصا وحشرنهم الضمير إما للقوى المذكورة وإما لأفراد الناس (فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً) غير محشور.
قوله تعالى : (وَعُرِضُوا عَلى رَبِّكَ صَفًّا) عرف كل صنف من أهل المقامات والولايات ، وكل من لله دعوى من بساط عزته بما هم فيه في أيام البلاء في دار العناء ، فيشهد كل مشاهد مشهده فمن شاهد يشهد مشاهد المنة ، ومن شاهد يشهد مشاهد الوصلة ، ومن شاهد يشهد مشاهد الصفات ومن شاهد يشهد مشاهد الذات ، فمن كان مشربه المحبة فيكون في بحر الجمال ، ومن كان مشربة الهيبة فهو في بحر الجلال ، ومن كان مشربه المعرفة فهو في بحر الصفات ، ومن كان مشربه التوحيد فهو في بحر الذات ، ومن كان مشربة الجولان في الأفعال فموضعه مقام الجوار في الجنان ، ومن كان محجوبا في الدنيا عن هذه الأحوال فموضعه النيران.
قال الأستاذ : يقيم كل واحد يوم العرض في شاهد مخصوص ، ويلبس كلا بما هو أهله ، فمن لباس تقوى ، ومن قميص هدى ، ومن صدار وجد من صدره محبة ، ومن لبسه شوق ، ومن حله وصلة.